١ - لقد برز لنا في أحداث هذه السنة ومن قبل كان بارزاً وسنرى ذلك دائماً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تأتيه أخبار تحشدات الأعداء في أوائلها فلم يكن يفاجأ بحادثة ولا تدبير يدبره الأعداء، وهذا يجعلنا أمام أهم قضية في الحرب والسلم، وهي قضية أجهزة المخابرات، إن العالم كله قد أدرك اليوم أنه بقدر ما يكون جهاز المخابرات قوياً فإن ذلك يعوض عليك أشياء كثيرة ويجنبك أشياء خطيرة، صحيح أن ذلك قد يكلف ولكن مهما كانت التكلفة فالربح أكبر، إنه بالنسبة لأي نظام يشكل جهاز المخابرات عينه التي تكشف الخطأ والخطر فتتلافى الأخطاء وتستأصل الأخطار قبل وقوعها، ومهما يقال بالنسبة لأجهزة المخابرات فالمسألة أخطر وأكبر، وكل ما يمكن أن تحققه أجهزة المخابرات في العالم كان يتحقق لرسول الله أحياناً عن طريق عالم الأسباب وأحياناً عن طريق الغيب، فكم من مؤامرة كشفها جبريل، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع هذا لم يكن ليغفل فذلك تكليفه ولقد كانت تتجمع عند رسول الله صلى الله عليه وسلم المعلومات من مصادر متعددة، سراياه الاستطلاعية، المسلمون المتخفون، المتعاطفون مع المسلمين، المعاهدون، الفراسة واستكشاف ما وراء السطور، المهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يفاجأ بتآمر داخلي أو تهديد خارجي وهذا يجعل المسلمين في عصرنا أمام قضية يجب أن يعطوها كامل الاعتبار، مع ملاحظة الضوابط الشرعية.
٢ - لقد قرر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدافع عن عاصمته، فهي معقله الأول والأخير على قلة العدد وكثرة العدو، وهذا يجعلنا أمام قاعدة مهمة أنه لا خيار في القتال عندما يصل العدو إلى العاصمة أو المعقل الأخير، أما إذا كان الانسحاب إلى معقل أو قيادة فهذا يدخل في التحيز إلى فئة. ولكن مع هذا فقد حرص الرسول صلى الله عليه وسلم ألا يدخل في قتال تصادمي مع جيوش تفوق جيشه، وهذا يوصلنا إلى فكرة البحث عن أجدى الوسائل لتجنب الاستئصال، فليست مهمات القيادة أن تقاتل أو تجهز للقتال فقط بل من مهماتها أن تفكر في أن تكون خسائرها أقل إن فاتها أن تجعل خسائرها معدومة. فإذا عرفنا أنه لم يقتل من المسلمين في غزوة الأحزاب إلا ستة أدركنا كيف أن مبدأ الاقتصاد في القوى كان مطبقاً على أرقاه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي ذلك درس للقيادات التي لا تبالي بعدد الضحايا