عبد الله بن مسعود بن غافل الهذلي أبو عبد الرحمن حليف بني زهرة، احد السَابقين الأوّلين أسلم قديماً وهاجر الهجرتين، وشهد بدراً والمشاهد بعدها ولازم النّبيّ صلى الله عليه وسلم وكان صاحب نعليه، من أخباره بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه شهد فتوح الشّام وسيّره عمر إلى الكوفة ليعلمهم أمور دينهم.
وقال ابن كثير:
وقد شهد ابن مسعود بعد النّبيّ صلى الله عليه وسلم مواقف كثيرة منها اليرموك وغيرها وكان قدم العراق حاجَّا، فمر بالرِّبَذّة- موضع قرب المدينة نحو الشرق فشهد وفاة أبي ذر ودفنه، ثم قدم إلى المدينة فمرض بها فجاءه عثمان بن عفان عائداً، ودفن بالبقيع عن بضع وستين سنة.
وقال الذهبي في ترجمته:
الإمام الَحّبر فقيه الأمّة، كان من السّابقين الأوّلين ومن النّجباء العالمين ومناقبه غزيرة روى علماً كثيراً، وروى عنه القراءة أبو عبد الرحمن السلمي وعُبَيْد بن نَضْلَة وطائفة، اتفقا له في الصحيحين على أربعة وستين وانفرد له البخاري بإخراج أحد وعشرين حديثاً ومسلم بإخراج خمسة وثلاثين حديثاً وله عند بَقي بالمكرر ثماني مِأئة وأربعون حديثاً، كان معدوداً في أذكياء العلماء، وروى الأعمش عن إبراهيم قال: كان عبد الله لطيفاً فطناً .... وعن عبيد الله بن عبد الله قال: مات ابن مسعود بالمدينة ودفن بالبقيع سنة اثنتين وثلاثين وكان نحيفاً قصيراً الأدمة. أ. هـ.
أقول: اجتمع له رضي الله عنه السبق والجهاد ومخالطة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخدمته والعبادة الكثير والعلم الواسع والتعليم العريض، ويكفي أنه إمام أهل الكوفة في الفقه، وعن مدرسته انبثقت مدرسة الحنفية أوسع المدارس الفقهية وأكثرها انتشاراً وأبعدها تأثيراً في تاريخ القضاء والفتيا، وكان له اجتهاد يخالف اجتهاد عثمان في إبقاء القراءات المأثور على غير حرف قريش الذي كتب به مصحف عثمان ولذلك لم يحرق مصحفه.