وهذه القصة التي روعت حليمة وزوجها، ومحمد مسترضع فيهم، نجدها قد تكررت مرة أخرى ومحمد - عليه الصلاة والسلام - رسول جاوز الخمسين من عمره، فعن مالك بن صعصعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسري به قال: بينا أنا في الحطيم - وربما قال في الحجر - مضطجع بين النائم واليقظان أتاني آتٍ، فشق ما بين هذه إلى هذه - يعني ثغرة نحره إلى شعرته - قال: فاستخرج قلبي: ثم أتيت بطست من ذهب مملوء إيماناً، فغسل قلبي، ثم حُشيَ ثم أُعيد ... .
وشيء واحد هو الذي نستطيع استنتاجه من هذه الآثار، أن بشراً ممتازاً كمحمد لا تدعه العناية غرضاً للوساوس الصغيرة التي تناوش غيره من سائر الناس، فإذا كانت للشر (موجات) تملأ الآفاق، وكانت هناك قلوب تسرع إلى التقاطها والتأثر بها فقلوب النبيين - بتولي الله لها - لا تستقبل هذه التيارات الخبيثة ولا تهتز لها، وبذلك يكون جهد المرسلين في (متابعة الترقي) لا في (مقاومة التدلي) وفي تطهير العامة من المنكر لا في التطهر منه، فقد عافاهم الله من لوثاته.
* * *
٢ - قال القسطلاني في المواهب:
وهذا الشق روي أنه وقع له - عليه الصلاة والسلام - مرات في حال طفولته إرهاصاً، وتقدم المعجزة على زمان البعثة جائز للإرهاص.
* * *
٣ - أقول:
لقد ذكر العلماء أن هناك قلباً حسياً للإنسان يرتبط به - نوع ارتباط - القلب الذي هو محل الكفر والإيمان ومحل الرجاء والخوف والحب والبغض، ولا شك أن الشق الحسي