هؤلاء الذين ثاروا على عثمان أرادوا أن يتعجلوا انتهاء أمره فماذا حدث: كانت الأمة الإسلامية بخير وكانت في توسع مستمر وكانت الخيرات تنصب عليها من كل مكان، فانتقلت من هذه الحال فوقفت الفتوحات وأصبح بأس الأمة فيما بينها شديداً، تعجلوا أمر عثمان لأنه قرب أقرباءه فأل الأمر نتيجة لاستعجالهم إلى أن استقر في بني أمية وانتهت الخلافة الراشدة وجاء الملك العضوض، هذه عاقبة فعل أهل الشؤم هؤلاء.
إن عثمان خليفة راشد يقتدي به وأفعاله تشكل سوابق دستورية في هذه الأمة، فكما أن عمر سن لمن بعده التحرج عن تقريب الأقربين، فإن عثمان سن لمن بعده تقريب الأقربين، فإن عثمان سن لمن بعده تقريب الأقربين إذا كانوا أهل كفاءة، ومن تتبع سير ولاة عثمان لا يشك في كفاءتهم الإدارية، وكل ما أنكر على عثمان لا يخرج عن دائرة المباح فكيف ترتكب من أجل ذلك الجريمة الكبرى قتل عثمان رضي الله عنه؟
ومع إيماننا أن كل ما فعله عثمان هو محل القدوة وأنه قتل مظلوماً، ومع براءتنا إلى الله من دمه فإنه قد يكون من المناسب أن نأخذ دروساً مما حدث: إن عثمان خليفة راشد وهو أفضل خلق الله أثناء خلافته وله من القدم والسابقة الكثير الكبير، ثم هو الخليفة الشرعي للمسلمين وقتذاك بإجماع، ومع ذلك فقد حدث عليه تمرد وقامت فتنة انتهت بقتله عليه رضوان الله، وهذا يعطينا درساً هو أن الشرعية النظامية وحدها ليست كافية لاستقرار الحكم، هذا مع أن هذه الشرعية كان يرافقها رخاء عريض.
هذا كله أمام قضية تحتاج إلى تحليل: لماذا انتفض الأمر على عثمان رضي الله عنه؟ لقد انتقض الأمر على عثمان رضي الله عنه لأسباب كثيرة أجملها بما يلي:
بظهور الورع الجاهل، وتفتح الحاقدين على طرق للتآمر، وطموح الطامعين، والعفوية في التعامل مع المرحلة، وعدم مراعاة الرأي العام ونفسية المحكومين، أذكر ذلك ليأخذ المسلمون دروسها فيعرفوا أن الحكم هو الحكم، وأن الصلاح والسبق والقدم والوفاء كل ذلك إذا لم يرافقه قيام بشأن الحكم فإن الحكم يتعرض للتصدع والأمة تتعرض للهلاك، وهذا