ومعنى هذا أنه لم يلزم نفسه بما التزم به البخاري من مراعاة مستوى خاص في الرواية والرواة، بل توسع في شرطه فروى عن رواة لم يرو لهم البخاري في صحيحه، ولعلك على ذكر من المثال الذي ذكرناه أثناء الكلام على شرط البخاري في صحيحه، وهو أن تلامذة الإمام ابن شهاب الزهري على خمس طبقات: الأولى، ثم الثانية، ثم الثالثة، ثم الرابعة، ثم الخامسة، ولكل طبقة مزية على التي تليها في الحفظ والإتقان وطول الملازمة والصحبة.
وقد ذكرنا هناك أن البخاري يخرج أحاديث الطبقة الأولى، ويخرج من أحاديث الطبقة الثانية قليلاً وفي غير أصول الكتاب.
أما مسلم فيخرج أحاديث رجال الطبقة الأولى والثانية استيعاباً، ويخرج من أحاديث الطبقة الثالثة قليلاً، وذلك في المتابعات والشواهد لا في أصل الكتاب، ولعل فيما ذكره مسلم في مقدمة صحيحه ما يلقي لنا ضوءاً نتعرف به شرطه في صحيحه ذلك أنه قسم الأحاديث ثلاثة أقسام:
الأولى: ما رواه الحفاظ المتقنون.
الثاني: ما رواه المستورون المتوسطون في الحفظ والإتقان.
الثالث: ما رواه الضعفاء والمتروكون وقد ذكر أنه إذا فرغ من القسم الأول أتبعه الثاني وأما الثالث فلا يعرج عليه (١) وهو يؤيد ما ذكرناه.
[خصائص صحيح مسلم]
وقد امتاز صحيح مسلم بأن مؤلفه سلك فيه طريقة حسنة، ذلك أنه يجمع المتون كلها بطرقها في موضع واحد، ولا يفرقها في الأبواب، ولا يكررها إلا في القليل النادر، إلا إذا كانت هناك ضرورة لهذا التكرار كفائدة زائدة في سند الحديث أو متنه.
وقد سهل له هذا المنهج أنه لم يقصد أن يضم إلى جمع الأحاديث بيان فقهها واستنباط الأحكام والآداب منها.