يكن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تسعة نفر، فلما نادى المسلمين: هلم إلي، أنا رسول الله، سمع صوته المشركون وعرفوه فكروا إليه وهاجموه، ومالوا إليه بثقلهم قبل أن يرجع إليه أحد من جيش المسلمين فجرى بين المشركين وبين هؤلاء النفر التسعة من الصحابة عراك عنيف ظهرت فيه نوادر الحب والتفاني والبسالة والبطولة.
وقعت هذه كلها بسرعة هائلة في لحظات خاطفة، وإلا فالمصطفون الأخيار من صحابته صلى الله عليه وسلم - الذين كانوا في مقدمة صفوف المسلمين عند القتال - لم يكادوا يرون تطور الموقف، أو يسمعون صوته صلى الله عليه وسلم، حتى أسرعوا إليه؛ لئلا يصل إليه شيء يكرهونه، إلا أنهم وصلوا وقد لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لقي من الجراحات - وستة من الأنصار قد قتلوا والسابع قد أثبتته الجراحات، وسعد وطلحة يكافحان أشد الكفاح - فلما وصلوا أقاموا حوله سياجاً من أجسادهم وسلاحهم، وبالغوا في وقايته من ضربات العدو، ورد هجماتهم. وكان أول من رجع إليه هو ثانيه في الغار أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
وخلال هذه اللحظات الحرجة اجتمع حول النبي صلى الله عليه وسلم عصابة من أبطال المسلمين منهم: أبو دجانة، ومصعب بن عمير، وعلي بن أبي طالب، وسهل بن حنيف، ومالك بن سنان والد أبي سعيد الخدري، وأم عمارة نسيبة بنت كعب المازنية، وقتادة بن النعمان، وعمر بن الخطاب، وحاطب بن أبي بلتعة، وأبو طلحة.
[تضاعف ضغط المشركين]
كما كان عدد المشركين يتضاعف كل آن، وبالطبع فقد اشتدت حملاتهم وزاد ضغطهم على المسلمين، حتى سقط رسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرة من الحفر التي كان أبو عامر الفاسق يكيد بها، فجحشت ركبته وأخذ علي بيده، واحتضنه طلحة بن عبيد الله حتى استوى قائماً.
وشاع مقتل النبي صلى الله عليه وسلم أشاعه ابن قمئة بعد مقتل مصعب بن عمير رضي الله عنه.
وهذا هو الظرف الدقيق الذي خارت فيه عزائم كثير من الصحابة المطوقين، الذين لم يكونوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانهارت معنوياتهم، حتى وقع داخل صفوفهم ارتباك شديد، وعمتها الفوضى والاضطراب، إلا أن هذه الصيحة خففت بعض التخفيف من مضاعفة