وليس أخوك بالذي غن تشعبت ... عليك أمور ظل يلحاك لائما
ثم مضى فجعل يذكر الله حتى دخل قصر الإمارة من الكوفة. ولما كان قد قارب دخول الكوفة اعتزل من جيشه قريب من -اثنى عشر ألفًا- وهم الخوارج، وأبوا أن يساكنوه في بلده، ونزلوا بمكان يقال له: حروراء وأنكروا عليه أشياء فيما يزعمون أنه ارتكبها، فبعث إليهم علي رضي الله عنه عبد الله بن عباس فناظرهم فرجع أكثرهم وبقي بقيتهم، فقاتلهم علي بن أبي طالب وأصحابه.
أقول: ولم ينبثق عن التحكيم شيء وزادت شرة الخوارج فقاتلهم الإمام علي وقتلهم والراجح أن ذلك كان في السنة الثامنة والثلاثين. وفي هذه السنة خرجت مصر من يد أمير المؤمنين علي وأصبحت في يد معاوية وانتفض على الإمام علي أمره.
قال ابن كثير: قال الشعبي: لما قتل علي أهل النهر خالفه قوم كثير، وانتقضت أطرافه وخالفه بنو ناجية، وقدم ابن الحضرمي إلى البصرة، وانتفض أهل الجبال، وطمع أهل الخراج في كسره وأخرجوا سهل بن حنيف من فارس -وكان عاملاً عليها- فأشار عليه ابن عباس بزياد بن أبيه أن يوليه إياها فولاه إياها فسار إليها في السنة الآتية في جمع كثير، فوطئهم حتى أدوا الخراج.
قال ابن جرير وغيره: وحج بالناس في هذه السنة قثم بن العباس، نائب علي على مكة، وأخوه عبيد الله بن عباس نائب اليمن، وأخوهما عبد الله نائب البصرة، وأخوهم تمام ابن عباس نائب المدينة، وعلى خراسان خالد بن قرة اليربوعي وقيل ابن أبزى، وأما مصر فقد استقرت بيد معاوية فاستناب عليها عمرو بن العاص.
[ثم دخلت سنة تسع وثلاثين]
فيها جهز معاوية بن أبي سفيان جيوشًا كثيرة ففرقها في أطراف معاملات علي بن أبي طالب، وذلك أن معاوية رأى بعد أن ولاه عمرو بن العاص بعد اتفاقه مع أبي موسى على عزل علي، أن ولايته وقعت الموقع، فهو الذي يجب طاعته فيما يعتقده، ولأن جيوش علي من أهل العراق لا تطيعه في كثير من الأمر ولا يأتمرون بأمره، فلا يحصل بمباشرته المقصود