العظيم، وغلب الدم على لون الماء، وصبر المسلمون يومئذ صبراً لم يعهد مثله قط، وقتل منهم بشر كثير، ومن الروم أضعاف ذلك، ثم أنزل الله نصره على المسلمين فهرب قسطنطين وجيشه- وقد قلّوا جداً- وبه جراحات شديدة مكينة مكث حيناً يداوي منها بعد ذلك، وأقام عبد الله بن سعد بذات الصواري أياماً، ثم رجع مؤيداً منصوراً مظفراً.
وفي هذه السنة فتح ابن عامر فتوحات كثيرة، فمن ذلك ما فتح عنوة، ومن ذلك ما فتح صلحاً، فكان في جملة ما صالح عليه بعض المدائن وهي مرو على ألفي ألف ومائتي ألف، وقيل على ستة آلاف ألف ومائتي ألف.
[ثم دخلت سنة ثنتين وثلاثين]
وفيها غزا معاوية بلاد الروم حتى بلغ المضيق - مضيق القسطنطينية - ومعه زوجته عاتكة، ويها استعمل سعيد بن العاص سلمان بن ربيعة على جيش وأمره أن يغزوا الباب، وكتب إلى عبد الرحمن بن ربيعة نائب تلك الناحية بمساعدته، سار حتى بلغ بلنجر (١) فحصروها ونصبت عليها المجانيق والعرادات. ثم إن أهل بلنجر خرجوا إليهم وعاونهم الترك فاقتتلوا قتالاً شديداً - وكانت الترك تهاب قتال المسلمين، ويظنون أنهم لا يموتون - حتى اجترأوا عليهم بعد ذلك، فلما كان هذا اليوم التقوا معهم فاقتتلوا، فقتل يومئذ عبد الرحمن ابن ربيعة - وكان يقال له ذو النون - وانهزم المسلمون فافترقوا فرقتين، ففرقة ذهبت إلى بلاد الخزر، وفرقة سلكوا ناحية جيلان وجرجان، وفي هؤلاء أبو هريرة وسلمان الفارسي، وأخذت الترك جسد عبد الرحمن بن ربيعة - وكان من سادات المسلمين وشجعانهم - فدفنوه في بلادهم فهم يستقسون عنده إلى اليوم، وفيها فتح ابن عامر مرو الروذ والطالقان والفارياب والجوزجان وطخارستان.
[ثم دخلت سنة ثلاث وثلاثين]
وفيها غزا عبد الله بن سعد بن أبي سرح إفريقية ثانية، حين نقض أهلها العهد.