لنا، إذ جاءنا أخوه يشتدُّ، فقال لي ولأبيه، أدرِكا أخي القرشي، قد جاءه رجلان فأضجعاه، فشقا بطنه. فخرجنا نحوه نشتدُّ، فانتهينا إليه وهو قائم منتقعٌ لونه فاعتنقه أبوه واعتنقته، ثم قلنا: مالك يا بُني؟ قال: أتاني رجلان عليهما ثياب بياضٍ فأضجعاني، ثم شقا بطني، فوالله ما أدري ما صنعا. قالت: فاحتملناه فرجعنا به. قالت يقول أبوه: والله يا حليمة ما أرى هذا الغلام إلا قد أصيب، فانطلقي فلنرده إلى أهله قبل أن يظهر به ما نتخوف عليه. قالت فقلت: لا والله إنا كففناه وأدينا الحق الذي يجبُ علينا فيه. ثم تخوفتُ الأحداث عليه. فقلت: يكون في أهله. قالت فقالت أمه: والله ما ذاك بكما، فأخبراني خبركما وخبره، قالت: فوالله ما زالت بنا حتى أخبرناها خبره. قالت: فتخوفتما عليه، كلا والله إن لابني هذا لشأنا، ألا أخبركما عنه، إني حملت به فلم أر حملاً قط كان أخفه ولا أعظم بركة منه، ثم رأيت نوراً كأنه شهاب خرج من حين وضعته أضاءت لي أعناق الإبل ببُصرى، ثم وضعته فما وقع كما تقع الصبيان، وقع واضعاً يده بالأرض رافعاً رأسه إلى السماء، دعاه والحقا بشأنكما.
[فائدة حول تنشئته صلى الله عليه وسلم في البادية]
قال الشيخ الغزالي في كتابه فقه السيرة:
وتنشئة الأولاد في البادية، ليمرحوا في كنف الطبيعة، ويستمتعوا بجوها الطلق وشعاعها المرسل، أدنى إلى تزكية الفطرة وإنماء الأعضاء والمشاعر، وإطلاق الأفكار والعواطف.
إنها لتعاسة أن يعيش أولادنا في شقق ضيقة من بيوت متلاصقة كأنها علب أغلقت على من فيها، وحرمتهم لذة التنفس العميق والهواء المنعش.
ولا شك أن اضطراب الأعصاب الذي قارن الحضارة الحديثة يعود - فيما يعود إليه - إلى البعد عن الطبيعة، والإغراق في التصنع. ونحن نقدر لأهل مكة اتجاههم إلى البادية لتكون عرصاتها الفساح مدارج طفولتهم. وكثير من علماء التربية يود لو تكون الطبيعة هي المعهد الأول للطفل حتى تتسق مداركه مع حقائق الكون الذي وجد فيه، ويبدو أن هذا حُلمٌ عَسِر التحقيق. أهـ.