للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فصل: عام الحزن والشدّة

انتهى حصار الشعب في المحرم من السنة العاشرة للبعثة وتُوفي أبو طالب بعد ستة أشهر من ذلك أي في شهر رجب، وقد جاوز الثمانين من عمره، فلم يمض على خروجه من الشعب إلا أشهر معلومات حتى أصابه مرض الوفاة ثم تُوفي، وبعد وفاته بشهرين على قول توفيت أم المؤمنين خديجة في شهر رمضان من السنة العاشرة للبعثة ولها خمس وستون سنة ورسول الله صلى الله عليه وسلم إذ ذاك في الخمسين من عمره، وحاولت قريش أن تأخذ من رسول الله شيئاً قبل وفاة أبي طالب فلم تفلح، فلما توفي آذت رسول الله صلى الله عليه وسلم كل الإيذاء، ولعل أكثر روايات الإيذاء وقعت في هذه المرحلة مما اضطر رسول الله صلى الله عليه وسلم للخروج إلى الطائف.

ويذهب الدكتور البوطي إلى أن حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن على فراق عمه وزوجه بل لانسداد أبواب الدعوة أمامه، ومع التسليم بالثاني فإنني لا أنفي الأول، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أكمل الناس في كل شيء، ومن ذلك أنه كان أكملهم عواطف، وعاطفتا الوفاء والرحمة كانتا بارزتين عنده، فإذا ما حزن على عمه وفاءً، وعلى زوجته رحمة ووفاء، فلا حرج في ذلك بل هو الكمال بعينه، ونحن سنذكر في هذا الفصل بعض روايات الإيذاء لأنها مظنة أن تكون وقعت بعد وفاة أبي طالب ولكن ليس ذلك شرطاً فاقتضى التنويه:

١٣٠ - * روى الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مَرِضَ أبو طالب فجاءته قريش، وجاءه النبي صلى الله عليه وسلم - وعند أبي طالب مجلس رجل - فقام أبو جهل كي يمنعه وشكوه إلى أبي طالب، فقال: يا ابن أخي، ما تريد من قومك؟ قال: "أريدُ منهم كلمةً واحدةً، تدين لهم بها العرب، وتؤدي إليهم العجمُ الجزية". قال: كلمة واحدة؟ قال: "كلمة واحدة، قال: ياعم، يقولوا: لا إله إلا الله". فقالوا: إلهاً واحداً؟ ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة. إن هذا إلا اختلاق. قال: فنزل فيهم القرآن: {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ * كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ *


١٣٠ - الترمذي (٥/ ٣٦٥) ٤٨ - كتاب تفسير القرآن - ٣٩ - باب ومن سورة "ص". قال أبو عيسى: هذا حديث حسن أهـ. والحاكم (٢/ ٤٣٢) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأقره وفي مسنده يحيى بن عمارة لم يوثقه غير ابن حبان فلعل تحسينه لشواهده.
تدين: دان له بدين: إذا أطاعه ودخل تحت حكه. الملة الآخرة: النصرانية. اختلاق: الاختلاق: الكذب.

<<  <  ج: ص:  >  >>