* إذا سلم شعب لإنسان بأن يجبي منه مالاً ولم يجد له خياراً في ذلك فقد سلم له بالسلطة، ومن ههنا كان إرسال المصدقين هذا العام وجبايتهم المال هو في الحقيقة رمز التسليم لسلطان رسول الله صلى الله عليه وسلم واعتراف بالدولة الإسلامية، لذلك ارتبطت الردة بهذا الموضوع وارتبط منع مال الزكاة بعدم الاعتراف بالحكم فقال قائل المرتدين:
أطعنا رسول الله ما كان بيننا ... فيا لعباد الله ما لأبي بكر
أيخلفه بكر إذا قام بعده ... وتلك لعمر الله قاصمة الظهر
* جمع المال من مكان وتوزيعه في نفس ذلك المكان فيه معان كبيرة، فيه إشعار للفقراء والمستضعفين والمساكين ببركة الخضوع لسلطان الإسلام، وفي ذلك ربط محكم لهؤلاء بالدولة الإسلامية وإظهار المانعين بأنهم أعداء لشعبهم الفقير وهكذا يؤخذ الاعتراف بالدولة عن طريق ليس لأحد فيه خيار آخر، وتلك من مظاهر الفطرية الإسلامية التي تصل إلى أعظم الأشياء من أقرب طريق.
* إقبال الوفود بهذه الكثرة وبهذا التسليم هو أثر عن مجموعة أمور كلها تدل على إحكام العمل بتوفيق الله، فحرارة إيمان الدعاة، وعمليات التعرض، والانتصارات المتلاحقة، والمعجزات اليومية والسياسية الحكيمة، وحسن التعامل مع النفس البشرية، وإشعار الناس أن أرباحهم في الإسلام أكبر من خسائرهم كل ذلك أدى دوره في أن تصبح الجزيرة العربية وافدة ومسلّمة مسلمة.
* الهيبة العسكرية كانت عاملاً حاسماً، ومناطحة الرومان مرة بعد مرة أشعرت الجميع أنهم أمام سلطان لا يقهر، وكان ذلك هو الأساس للتحرك اللاحق بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصدام مع الدولتين العظميين وقتذاك.
* إن نجاح الصادقين يغري الكاذبين والطامحين بسلوك طريقهم، وطرح دعاوى يزعمون أنها تشابه الحقائق التي يدعو إليها الأنبياء. ومن ههنا نبتت نابتة دعاوى النبوة على أثر الانتصارات الكاسحة. ومن ههنا تأتي دعاوى الأسود العنسي ومسيلمة وطليحة وسجاح ...