عقلانياً مجرداً، وإنما هي الأثر الذي يستحوذ على القلب فيطبع صاحبه بمثل الطابع الذي وصف به عروة بن مسعود أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهي تدل ثانياً، على أن التبرك بآثار رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر مندوب إليه ومشروع. ولقد وردت أحاديث صحيحة ثابتة عن تبرك الصحابة رضي الله عنهم بشعر النبي صلى الله عليه وسلم، وعرقه ووضوئه، وبصاقه، والقدح الذي كان يشرب فيه. أهـ.
[تعليقات على قصة الحديبية]
١ - من أول ما يطالعك في قصة الحديبية إحكام التدبير، أولاً: في الشعار الذي رفع. وثانياً: في الطريق الذي سلك. وثالثاً: في الحوار الذي تم والمفاوضات التي جرت والحجج التي قيلت. ورابعاً: في أخذ البيعة على عدم الفرار أو الموت. وخامساً: في ضبط النفس عن القتال مع وجود أسبابه. وسادساً: في الاحتياطات الأمنية التي اتخذت. وسابعاً: في الجو الذي أحيطت به المفاوضات. وثامناً: في بنود الصلح.
٢ - هناك صورتان متكاملتان في هذه القصة: فمن أجل الثأر لعثمان عندما أشيع نبأ قتله أخذت البيعة على الموت، ومن أجل مجموعة من المؤمنين والمؤمنات المستضعفين في مكة صرف الله المسلمين عن القتال (ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطؤوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم .......)(١).
ومن هاتين الصورتين ندرك كم للمسلم من قيمة عند الله وعند إخوانه، فلا تفريط فيه بل حرص عليه، بل قد يتخذ قرار حرب من أجله، وهذا يعطينا عبراً كثيرة، أبسطها: أن نعرف للمسلم حرمته، وأن نعرف له قيمته فلا نضيعه بل نحاول القيام بحقوقه كاملة.
٣ - في هذه القصة موقف لم يستطع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إدراك أبعاده، وهذا يعطينا درساً في العمل الإسلامي: أن نستشرف دائماً أبعاد معركتنا، وأن نتفهم الآراء المطروحة أمامنا، وأن نتأنى في الحكم على تصرفات القادة الذين يكرمهم الله عز وجل بتحمل المسؤولية، فكثيراً ما نصدر أحكاماً مستعجلة، ظاهرها الصواب وباطنها الخطأ.