٤ - ومن أعظم دروس الحديبية أن على القائد أن يمتلك القدرة على الحرب والسلام، وكثيراً ما يحدث أن القائد يستطيع السيطرة في الحرب فإذا ما أراد السلام ظهرت أمامه عقبات، فالمتحمسون، والمتشددون، وبالنسبة لغير الصحابة المزايدون، وههنا تحدث أزمات ومآس إن علينا أن ندرك أنه ليس الهدف هو الحرب أو السلم، إنما الهدف أن يتقدم هذا الدين، فحيثما رأت القيادات الرشيدة والشورى المبصرة أن المصلحة في شيء فههنا محط الرحال، ولا يصلح أحد للقيادة إذا لم يكن قادراً على قراري السلم والحرب بآن واحد، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو النموذج الأرقى في هذا وفي غيره.
٥ - وفي قصة الحديبية تجد المستوى الرفيع من الأدب والانضباط اللذين وصل إليهما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بفضل تربيته: فعثمان لا يطوف بالبيت على حبه لذلك ما دام رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يطف، والصحابة كانا كالسكارى عند توقيع الصلح وتأخير العمرة، ولكن لم يقولوا هجراً ولم يخرجوا عن انضباط. ومن مظاهر ما ذكرناه ههنا ما أشار إليه الشيخ الغزالي في كتابه فقه السيرة: (ومن السكينة التي تنزلت على المسلمين أن رسل قريش كانت تغدو على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتروح، فلا يعترضهما أحد، أما رسل المسلمين إلى قريش فقد تعرضت للهلاك، كاد خراش بن أمية الخزاعي يقتل، لولا أن أنقذه الأحابيش، فرجع وقد عقر جمله وكان النبي عليه الصلاة والسلام أرسله ليبلغ أهل مكة حقيقة مجيئه، وانه يريد العبادة لا الحرب ... والرسل لا تقتل، بيد أن غليان قريش أفقدها الوعي.