للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[فصل: في الهجرة إلى المدينة المنورة]

[مقدمة]

١ - كانت الهجرة هي الدرس الأخير في المرحلة المكية، وهي التصفية النهائية لأنفس الرعيل الأول، لقد طولب الرعيل الأول من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوحيد والعبادة ففعلوا، وسلط عليهم الإيذاء، وأمروا بالصبر وكف اليد، والاستسلام لأمر الله ففعلوا، وحب الوطن أصيل في النفس فطولبوا بالهجرة فهاجروا، ثم قاتلوا مع الأنصار أهليهم وقبيلتهم فوجد بذلك كله جيل لم يعرف العالم له مثيلاً بالتجرد من أهواء النفوس وعصيانها.

٢ - والهجرة بالنسبة للدعوة الإسلامية هي أعظم الأحداث الدعوية والحركية، لأن بها قامت دولة الإسلام ووجدت قاعدته التي حملت هذه الدعوة ابتداء وقدمتها للعالم انتهاء، ولذلك أرخ المسلمون بالهجرة.

٣ - وقد أقبل المسلمون على الكتابة في الهجرة واستخراج دروسها وعبرها وخاصة في عصرنا فمن سابق ومن مقتصد، واستخرج بعضهم تعميامت تحتاج إلى تخصيص، وأراد بعضهم أن يستخرج نظرية محددة يقيد بها الحركة الإسلامية باعتماده فكرة الهجرة إلى جهة ما وهذا كله يحتاج إلى شيء من الإيضح، وستأتي الإيضاحات شيئاً فشيئاً، وقد اخترنا أن ننقل لك في هذه المقدمة ثلاثة نقول تفتح لك آفاقاً في الهجرة بين يدي الروايات:

قال الشيخ الغزالي:

ليست الهجرة انتقال موظف من بلد قريب إلى بلد ناءٍ، ولا ارتحال طالب قوت من أرض مجدبة إلى أرض مخصبة.

إنها إكراه رجل آمن في سربه، ممتد الجذور في مكانه على إهدار مصالحه، وتضحية أمواله والنجاة بشخصه، وإشعاره - وهو يصفي مركزه - بأنه مستباح منهوب، قد يهلك في أوائل الطريق أو نهايتها، وبأنه يسير نحو مستقبل مبهم، لا يدري ما يتمخض

<<  <  ج: ص:  >  >>