قد يوجد في تاريخ البشرية من سيرتُه تاريخية ولا يعتبر ذلك وحده كافياً للهداية والاقتداء، بل قد تكون سيرة هؤلاء شراً وخبثاً، فلابد أن يجتمع مع شرط التاريخية شرط آخر لتصلح السيرة للاقتداء والاهتداء، هذا الشرط هو أن يكون تصرف صاحب السيرة في الصغيرة والكبيرة هو الكمال المطلق، وهذا الذي نجده على الكمال والتمام في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وهذا هو محور المحاضرة الرابعة، فلقد أخذ المؤلف يضرب على ذلك الأمثال في الصغيرة والكبيرة من تصرفاته صلى الله عليه وسلم قبل النبوة وبعدها في حياته البيتية وغيرها مقيماً الأدلة على ذلك.
ومن كلامه في هذه المحاضرة:
إن أعظم الناس وأجلهم إذا انقلب إلى بيته كان فيه رجلاً من الرجال وواحداً كآحاد الناس، ولقد صدق فولتير في كلمته المشهورة:(إن الرجل لا يكون عظيماً في داخل بيته، ولا بطلاً في أسرته) يريد أن عظمة المرء لا يعترف بها من هو أقرب الناس إليه، لاطلاعه على دخيلته في مباذله.
وهذا الحكم يشذ عن الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول باستور سميث:(إن ما قيل عن العظماء في مباذلهم لا يصح - على الأقل - في محمد رسول الإسلام) واستشهد بقول كين: (لم يمتحن رسول من الرسل أصحابه كما امتحن محمد صلى أصحابه" إنه قبل أن يتقدم إلى الناس جميعاً، تقدم إلى الذين عرفوه إنساناً، المعرفة الكاملة، فطلب من زوجته وغلامه وأخيه وأقرب أصدقائه إليه وأحب خلانه أن يؤمنوا به نبياً مرسلاً، فكل منهم صدق دعواه وآمن بنبوته، وإن حليلة المرء أكثر الناس علماً بباطن أمره ودخيلة نفسه وألصقهم به، فلا يوجد من هو أعرف منها بنهاته ونقائصه، أليس أول من آمن بمحمد رسول الله زوجه الكريمة التي عاشرته خمسة عشر عاماً، واطلعت على دخائله في جميع أموره وأحاطت به علماً ومعرفة فلما ادعى النبوة كانت أول من صدقه في نبوته).