دخل الإسلام إلى المدينة المنورة على مدار ثلاث سنين قبل الهجرة، وكان بداية ذلك مجيء وفد من الأوس إلى مكة باحثين عن تحالفات ضد أبناء عمهم الخزرج الذين كانوا في صراع معهم، فهؤلاء أول ناس طرق سمعهم الإسلام وقد أسلم واحد منهم، ثم جاء وفد من أهل المدينة معتمرين في رجب، فاجتمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرض عليهم الدعوة فأسلموا ثم رجعوا إلى قومهم، فدعوهم فاستجاب لهم عدد، فقدم من استطاع منهم إلى الحج وبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة الأولى ثم عادوا، وأرسل معهم أو بعدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب ابن عمير ففشا الإسلام في المدينة حتى سيطر، ووافى ممن أسلم حوالي سبعين في موسم الحج وكانت بيعة العقبة الثانية، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من بايعه أن يختاروا له اثني عشر نقيباً، يكونون على أقوامهم كفلاء وبين أقوامهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وسطاء، وعلى إثر ذلك أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالهجرة.
وبقبول أهل المدينة للإسلام من ناحية ولنصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم تحقق هدفان بآن واحد: هدف النصرة من أهلها وأن هؤلاء مسلمون، وهذا يقتضي تفصيلاً:
لقد كان الهدف السياسي المرحلي لرسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة - فيما نعلم - أن يجد من يحميه وينصره ليبلغ دعوة ربه دون أن يقيد هذه النصرة بإسلام هؤلاء، وباصطلاح عصرنا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبحث عن حرية الدعوة والعبادة في مجتمع قادر على أن يحمي هذه الحرية. قال ابن حجر في الفتح:
وقال موسى بن عقبة عن الزهري: فكان في تلك السنين - أي التي قبل الهجرة - يعرض نفسه على القبائل، ويكلم كل شريف قوم، لا يسألهم إلا أن يؤوه ويمنعوه، ويقول:"لا أكره أحداً منكم على شيء، بل أريد أن تمنعوا من يؤذيني حتى أبلغ رسالة ربي" فلا يقبله أحد بل يقولون: قوم الرجل أعلم به. أهـ.
ولو أنه استجاب له من يستطيع المنعة والنصرة من العرب لسارت الدعوة غير المسار