للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[فصل: في الدعوة السرية]

بعد نزول قوله تعالى {اقْرَأْ} عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حدث على خديجة وورقة بن نوفل فآمنا ابتداء لمجرد العرض دون دعوة منه عليه الصلاة والسلام، وبنزول قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ....} (١) أصبح الرسول صلى الله عليه وسلم مكلفاً بالإنذار ومكلفاً بالصلاة والطهارة والتوحيد والصبر وتجنب الأوثان، وهي هي التكاليف التي جاءت بعد فترة الوحي، ولم يسبق ذلك إلا التكليف بالقراءة باسم الله وذلك في قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ...} (٢) وهكذا بدأ التكليف بالتوحيد والعبادة والدعوة والصبر. والعبادة في هذه المرحلة تتلخص في الصلاة وقراءة القرآن والذكر والفكر، فالصلاة رافقت نزول سورة المدثر، وعلى رواية المقريزي أنها رافقت نزول سورة اقرأ، ولذلك فسنرى روايات تذكر الصلاة من الابتداء، وقد دخل في تكليف الصلاة ابتداء صلاة في الصباح وصلاة في المساء على سعة في الوقتين، ثم تكليف بقيام الليل {يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا ...} (٣) وبعد سنة خفف الأمر بقيام الليل عن عامة المسلمين وبقي في حقه عليه الصلاة والسلام فريضة، واستمر الحال على ذلك حتى حادثة الإسراء والمعراج إذ فرضت الصلوات الخمس، وقد بدأت الدعوة سرية وفردية حتى جاء الأمر بالجهر بالإنذار والصدع بالدعوة وذلك على القول الراجح بعد ثلاث سنين من البعثة، ويبدو أن الاضطهاد بدأ مبكراً منذ هذه المرحلة، واشتد بعد الجهر بالدعوة مما ألجأ إلى الاختباء في دار الأرقم ثم أسفر عن الهجرتين إلى الحبشة، وقد شدد المشركون القبضة بفرض المقاطعة والحصار مما ألجأ المسلمين ومن تعاطف معهم إلى الانكماش في شعب أبي طالب ... كما سنراه.

وإذ كنا لا نملك تأريخاً محققاً لكل حادثة في المرحلة المكية متى كانت إلا في حدود ضيقة، فإننا سنعرض الروايات على تسلسل معين مستأنسين لهذا التسلسل ببعض المعاني، لكنه في الكثير من الأحيان لا يصل إلى حد الجزم فليلاحظ القارئ ذلك، فبعض


(١) المدثر: ١ - ٤.
(٢) العلق: ١.
(٣) المزمل: ١ - ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>