أدرك أن فكرة الأمن المعروفة تكاد تكون معدومة، ولكن انظر إلى الدولة التي أقامها رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أنها استطاعت أن تحقق أكبر قدر ممكن من الأمن بأقصر فترة متصورة فأصبحت حوادث القتل داخل المجتمع الإسلامي قليلة، والمعاهدون محميين ما داموا لا يخلون بعهدهم ثم إن أي خطر خارجي كان يرد عليه بسرعة وأي إخلال داخلي بالأمن كان يعامل بحزم وكان لا يسكت على غدر، وفي أحداث هذه السنة نجد حادثتين بارزتين تعتبران نموذجاً على بعض ما ذكرناه، معاملته عليه الصلاة والسلام للعرنيين الذين قتلوا راعيه وسملوا عينيه وسلبوا الأموال، واسترجاع ما أخذته بنو فزارة في هجومها على سرح المدينة. لقد كان المجتمع المدني يتوسع كثيراً؛ لأن الهجرة كانت مفروضة على كل من أسلم، ومع ذلك فكم هي حوادث الإخلال بالأمن التي حدثت داخل هذا المجتمع؟ إنها لقليلة جداً وذلك كله أثر من آثار السياسة النبوية التي قللت دوافع الجريمة ووسعت حوافز الفضيلة واجتمع فيها حزم القانون وعدالة القضاء، وحزم الحاكم وهدي النبوة.
* * *
[تقويم الموقف في نهاية السنة السادسة]
بالصلح بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش لم يعد هناك رأس يتجمع حوله المشركون جميعاً وبذلك ماتت إلى الأبد فكرة أن تتجمع الجزيرة العربية ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهكذا أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم أمام وضع يعطيه فرصاً في الحرب وفي السلم، في الدعوة داخل الجزيرة العربية وخارجها، ولم يكن الأمر يحتاج إلى تفكير كثير لاستثمار هذا الوضع فالوحي يتنزل ويسدد ويرشد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو القائد ولقد تحرك رسول الله صلى الله عليه وسلم سلماً وحرباً، وكان من آثار ذلك العجب الكبير:
خلال فترة وجيزة كسبت الدعوة أضعافاً مضاعفة، فقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية بألف وخمسمائة بينما انطلق إلى مكة عام الفتح بعشرة آلاف، وفي السنة السابعة أنهى الكيان السياسي لليهود إنهاءً تاماً في جزيرة العرب. ليست هناك لحظة تمر إلا بعمل هادف.