وهي بدر الموعد التي تواعدوا إليها من أحد كما تقدم. قال ابن إسحاق: ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة من غزوة ذات الرقاع أقام بها بقية جمادى الأولى وجمادى الآخرة ورجباً، ثم خرج في شعبان إلى بدر لميعاد أبي سفيان. قال ابن هشام: واستعمل على المدينة عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول. قال ابن إسحاق: فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بدراً وأقام عليه ثمانياً ينتظر أبا سفيان. وخرج أبو سفيان في أهل مكة حتى نزل مجنة من ناحية الظهران. وبعض الناس يقول: قد بلغ عسفان ثم بدا له في الرجوع فقال: يا معشر قريش إنه لا يصلحكم إلا عام خصيب ترعون فيه الشجر وتشربون فيه اللبن. فإن عامكم هذا عام جدب وإني راجع فارجعوا. فرجع الناس فسماهم أهل مكة جيش السويق (١) يقولون إنما خرجتم تشربون السويق. قال وأتى مخشي بن عمرو الضمري وقد كان وادع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة ودان على بني ضمرة فقال: يا محمد أجئت للقاء قريش على هذا الماء؟ قال:"نعم يا أخا بني ضمرة وإن شئت رددنا إليك ما كان بيننا وبينك وجالدناك حتى يحكم الله بيننا وبينك" قال: لا والله يا محمد ما لنا بذلك من حاجة. ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ولم يلق كيداً.
وقد ذكر موسى بن عقبة عن الزهري وابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استنفر الناس لموعد أبي سفيان، وانبعث المنافقون في الناس يثبطونهم فسلم الله أولياءه، وخرج المسلمون صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر وأخذوا معهم بضائع، وقالوا: إن وجدنا أبا سفيان وإلا اشترينا من بضائع موسم بدر ثم ذكر نحو سياق ابن إسحاق في خروج أبي سفيان إلى مجنة ورجوعه وفي مقولة الضمري، وعرض النبي صلى الله عليه وسلم المنابذة فأبى ذلك. قال الواقدي: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها في ألف وخمسمائة من أصحابه واستخلف
(١) السويق: أن تمحص الحنطة أو الشعير أو نحو ذلك، ثم تطحن ثم يسافر بها، وقد تمزج باللبن والعسل والسمن، وتلت، فإن لم يكن شيء من ذلك مزجت بالماء.