أرّخ المسلمون بالهجرة؛ لأهميتها كمعلم بارز في تاريخ الدعوة النبوية، لما للهجرة من آثار على انتصار الدعوة وظهورها، ولأنه بالهجرة ولدت دولة الإسلام.
ولم يبدأوا التأريخ من يوم وصول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، بل منذ بدأ الأصحاب يتوافدون على المدينة، ولذلك تبدأ السنة الهجرية بالمحرم مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم وصل إلى المدينة بعد ذلك.
ولأهمية الهجرة فقد اعتاد المسلمون أن يحيوا هذه الذكرى، وأن يجددوا لها فرحاً. وقد انتكس من أرخ بالوفاة لمخالفته للإجماع، وكأنه أراد أن يقطع على المسلمين طريق الفرح بالذكرى، فأرّخ بالوفاة ليقطع الدوافع التي تحييها ذكرى الهجرة ليستبدلها بالحزن.
وقد قضى الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة عشر سنين كانت مليئة بالأحداث، ثرَّة بجلائل الأعمال وعظيمها، فتحت الطريق أمام المسلمين للسيطرة على مقاليد هذا العالم إن أحسنوا العمل والتأسي، ونحن سنعرض هذه المرحلة حسب السنين مبتدئين بأحداث السنة الأولى ثم الثانية هكذا إلى السنة الحادية عشرة.
* * *
[من ملامح هذه المرحلة]
١ - أنها مرحلة حركة مستمرة دعوياً وتربوياً واجتماعياً واقتصادياً وقانونياً ودستورياً وسياسياً وعسكرياً، يتلاحم فيها العمل الدعوي والتربوي مع العمل السياسي والعسكري.
٢ - أنها مرحلة عمل وجهاد متواصلين لتحقيق الأهداف، ومنها أخذ الأستاذ البنا فكرته عن التنفيذ.
٣ - كما أنها مرحلة تجريد شامل للنفس فلا تبقى نزعة للنفس إلا وهذبت، ولا مظهر ارتخاء إلا وشد نحو المثل الأعلى، فوجد بذلك وغيره جيل ليس له مثيل "خير القرون قرني".