تقوم - فيما يبدو لي - استراتيجية العمل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى فتح مكة على نقطتين رئيسيتين:
أولاً: تجميع كل المسلمين في المدينة المنورة، وبهذا كان المجتمع الإسلامي في تنام مستمر.
ثانياً: الحركة السياسية والدعوية والعسكرية المستمرة نحو الخارج، وبهذا جعل المجتمع الإسلامي دائم التعبئة كامل الحشد قادراً على الهجوم، متمركزة قواته وهي دائماً على أعلى مستوى قتالي.
وكانت القوى المعادية تحيط بالرسول صلى الله عليه وسلم من كل جانب، وكان هناك طابور خامس داخل المدينة، هذه القوى الخارجية تتمثل بأربع، كل منها تشكل خطراً مباشراً، القبائل النجدية وقبائل الشمال وعلى رأسهم غطفان وقريش ومن يتلاحم معها واليهود وكانت الجزيرة العربية تشكل البعد الاستراتيجي لهذه القوى، ولقد حاول الرسول صلى الله عليه وسلم ما استطاع ألا يجعل هذه القوى تتضافر ضده من خلال المعاهدات أو الحركة الخاطفة والدقيقة.
وكانت سياسته مع القبائل ألا يعطيها فرصة التحشد والتجمع وأن يفاجئها قبل أن تفاجئه وقد استطاع تثبيتها بشكل مستمر سواء كانت شمالية أو نجدية شرقية. وأما سياسته مع قريش فكانت الاستهداف الدائم والتعرض الدائم، وكان أن انجلت هذه السياسة عن صلح الحديبية. وكانت سياسته مع اليهود المعاهدات والوفاء بها حتى يغدروا، فمن غدر أنهاه، وسكت عن يهود خيبر وأبقاهم محاربين حتى تفرغ لهم بعد صلح الحديبية فأنهى كيانهم السياسي، حتى إذا نقضت قريش عهدها بتواطئها مع بكر ضد بني خزاعة أحلافه عليه الصلاة والسلام، استطاع أن ينهي سلطان قريش السياسي والديني، وإذا به عليه الصلاة والسلام فجأة أمام قطف ثمرات سياسته الحكيمة فلقد كانت كل القوى المباشرة قد استسلمت فلم يبق لبعدها الاستراتيجي إلا أن يستسلم، وهكذا جاءت الجزيرة العربية أفواجاً مؤيدة ومبايعة.