٣ - أسوأ القادة هم الذين لا يستطيعون أن يسيطروا على العصبيات، فضلاً عن أن ينزلوا في حمأتها، وأفضل القادة هم الذين يعرفون خصائص الناس ويعرفون لكل حقه ويستطيعون أن يضعوا الإنسان المناسب في المكان المناسب ويحسنون توجيه الطاقات، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل شيء هو الأرقى، ومن ذلك هذا الجانب، فالجزيرة العربية مهد العصبيات، العصبية للأسرة وللشعب وللقبيلة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم محل قيادته المباشرة هم العرب، فكان لابد أن يسيطر على العصبيات، وأن يصهرها بعصبية واحدة هي العصبية للإسلام وأهله، وأن يستفيد بعد ذلك من خصائص الناس ومن تنافسهم، وإنك لتجد كيف أن هذا كله قد تهيأ لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يفلت الزمام من يده مرة واحدة على كثرة المحاولات من يهود ومن المنافقين لإركاس الناس في هذه الحمأة، تجد ذلك في مواقف كثيرة وسنرى في أحداث السنة السادسة نموذجاً على ذلك، وفي تنافس الأوس والخزرج على الفضائل بما يخدم الإسلام نموذج على الجانب الآخر، ومقتل أبي رافع الذي فعلته الخزرج لتكافئ الأوس في قتلها لكعب بن الأشرف بيان لهذا الجانب من حياته عليه الصلاة والسلام في الاستفادة من العصبية بما يخدم الإسلام.
٤ - المبادرة في العمل السياسي تشكل جانباً مهماً منه أو ركناً من أركانه، والسياسي الناجح هو الذي يبادر في الوقت المناسب إذا وجد استعداداً، ويفسد مبادرة خصمه إذا بادر الخصم إلى ما يضره، والسياسي المسلم مقيد دائماً بالحق والعدل والحكم الشرعي والمصلحة، ولكن لابد أن يمتلك في حدود ذلك قوة المبادرة وقوة تجنب مبادرة الخصوم الضارة وما أصعب ذلك، والملاحظ أن حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم مليئة بالمبادرات، فمبادرته بكتابة العهود بينه وبين سكان المدينة، ومبادراته بالعقود، ومبادرته ضد استعدادات الآخرين نماذج، وفي قصة الأحزاب تجد الذين أقدموا على مبادرة التجميع ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم هم اليهود، واليهود في كل زمان ومكان يمتلكون الجرأة على المبادرات، ولكن مبادرتهم تلك ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت كارثة عليهم، وهذا من توفيق الله له عليه الصلاة والسلام ثم من كمالاته، على كل الأحوال فإن على الحركة الإسلامية أن تبادر. وأن تمتلك القدرة على التصرف أمام