يناسب وضعها وبما يحقق مردوداً على الجماعة وبما ترتقي به هذه النفس وأن يتصرف القائد مع كل الناس التصرف المناسب للمقام بما يلائم الحال وبما تتقبله النفوس وبما يحقق مردوداً للأمة وبما يقرب من الهدف القريب والبعيد دنيا وأخرى فهذا شيء فوق الطلاقة، ولا أعرف أحداً في تاريخ هذا العالم وصل في هذا كله إلى بعض ما وصل فيه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك من توفيق الله.
٢ - القادة قسمان: فقسم لا يستشير وهذا مآله إلى الدمار أو التدمير، وقسم يستشير وهؤلاء نوعان: نوع يستفيد من الشورى، ونوع تضيعه الشورى، فالذي يستفيد من الشورى هو الذي يستطيع أن يدرك بسرعة الرأي الصحيح فيأخذ به ويرجحه من أين أتى هذا الرأي، أما النوع الآخر فهؤلاء تتجاذبهم الآراء ذات اليمين وذات الشمال، وكثيراً ما يفرطون وكثيراً ما تذهب أوقاتهم سدى وكثيراً ما يتبنون الرأي الأضعف. أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقد كان أكثر الناس استشارة - هذا مع أنه يوحى إليه - وفي الوقت نفسه كان أكثر خلق الله إدراكاً لسلامة الرأي، وأكثر خلق الله مسارعة للأخذ بالرأي الراجح ولعل موقفه من رأى أم سلمة يوم الحديبية يمثل هذا الجانب الذي ذكرناه، ولكنه ليس موقفاً يتيماً، فموقفه من رأي الحباب بن المنذر يوم بدر، وموقفه من اقتراح سلمان يوم الخندق كل ذلك نماذج على ما ذكرناه.
٣ - يكثر الكلام في عصرنا على الاستراتيجية والتكتيك، والمراد بالاستراتيجية الموقف الأحكم في قضية ما على ضوء النظرة الشاملة والبعيدة المدى، والمراد بالتكتيك الحركة الآنية التي تناسب المقام، والقائد الناجح هو الذي يدرك الموقف الاستراتيجي الأجود ويتحرك حركة آنية مناسبة على ضوء ذلك ومن فاته إدراك الموقف الاستراتيجي الأحكم أو التكتيك المناسب الأسلم في موقف ما خسر أو فشل، وكثيراً ما يسقط قادة في التكتيك، أو في الاستراتيجية، وبعض القادة تطريهم النجاحات الجزئية فيسقطون في النهاية لتفضيلهم ما هو تكتيكي على ما هو استراتيجي، ومحمد صلى الله عليه وسلم - من بين القادة - كان أعظم الخلق على الإطلاق في الرؤية الشاملة البعيدة المدى وكان أعظم خلق الله في الإدارة الناجحة والحركة الصحيحة في كل موقف، وصلح الحديبية والتحرك قبله وبعده يعطيك نموذجاً على ذلك، فلقد مهد