لهذا الصلح وتجنب الصدام المباشر مع خالد وغيره قبله وتنازل لقريش حتى أرضاها فيما ظاهره ضعف وباطنه قوة، وبما أنهى قريشاً من الناحية الاستراتيجية وأعطاه مركز القيادة إلى الأبد، ذلك بعض مظاهر الكمال في شخصيته عليه الصلاة والسلام وكيف لا يكون كذلك وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم الخاتم.
٤ - نلاحظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمضى صلح الحديبية على كره من أصحابه فهل هذا دليل لمن يقول بعدم إلزامية الشورى؟ والذي نقوله في هذا المقام ما يلي:
لقد استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه في الطريق في تثبيت الأحابيش فلما أشار أبو بكر عليه بألا يفعل ترك ذلك، فهناك طرح الأمر على الشورى ونزل على رأي مستشاره الأول، لكن نلاحظ أنه في صلح الحديبية فاوض وأمضى الأمر ولم يطرح المسألة على الشورى أصلاً فما السبب في ذلك؟ الأمر يدور عندنا على ثلاثة محامل:
المحمل الأول: أن ذلك كان بوحي وعندئذ فلا محل للشورى. وفي النصوص ما يشير إلى هذا من مثل (إني عبد الله لن أعصيه ...). وقد تكون المسألة من باب الفهم عن الله دون وحي، ويشير إلى مثل هذا فهمه عليه الصلاة والسلام لبروك ناقته وأنه حبسها حابس الفيل، وتعليقه على ذلك أنه لن تدعوه قريش إلى أمر تعظم فيه حرمات الله إلا فعل.
المحمل الثاني: أنه أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفهم الأمة أن هناك حالات ينبغي أن يعطى الإمام فيها فرصة البت في الأمور، وعلى هذا فعلى الأمة أن تستخرج من مجموع أفعاله وأقواله عليه الصلاة والسلام صلاحيات الإمام، ومتى تلزمه الشورى ومتى لا تلزمه، إن التفاوض مع العدو له أحكامه، فإن يظهر القائد التردد، أو أن يظهر في كل لحظة أنه بحاجة إلى استشارة خاصة والقائد هو رسول الله الذي يدعوهم إلى الإيمان بنبوته، كل ذلك له وزنه في فهم هذه الحادثة.
المحمل الثالث: أن الأمة الإسلامية وقتذاك في طور التأسيس والصحابة كلهم في حجر التربية ونحن نرى أنه ما دامت الجماعات الإسلامية في طور التأسيس، والأفراد في حجر