بالرماد. وقيل: لأنها تسفي الريح تراباً كالرماد، ويمكن أن تكون سميت لكل منهما والله أعلم، وقد أجدبت الناس في هذه السنة بأرض الحجاز، وجفلت الأحياء إلى المدينة ولم يبق عند أحد منهم زاد فلجأوا إلى أمير المؤمنين فأنفق فيهم من حواصل بيت المال مما فيه من الأطعمة والأموال حتى أنفده، وألزم نفسه أن لا يأكل سمناً ولا سميناً حتى يكشف ما بالناس، فكان في زمن الخصب يبث له الخبز باللبن والسمن، ثم كان عام الرمادة يبث له بالزيت والخل، وكان يستمرئ الزيت. وكان لا يشبع مع ذلك، فاسود لون عمر رضي الله عنه وتغير جسمه حتى كاد يخشى عليه من الضعف، واستمر هذا الحال في الناس تسعة أشهر، ثم تحول الحال إلى الخصب والدعة وانشمر الناس عن المدينة إلى أماكنهم.
قال الشافعي: بلغني أن رجلاً من العرب قال لعمر حين ترحلت الأحياء عن المدينة: لقد انجلت عنك ولإنك لابن حرة. أي واسيت الناس وأنصفتهم واحسنت إليهم.
قال الواقدي وغيره: وفي هذه السنة في ذي الحجة منها حول عمر المقام - وكان ملصقاً بجدار الكعبة- فأخره إلى حيث هو الآن لئلا يشوش المصلون عنده على الطائفين. قلت: قد ذكرت أسانيد ذلك في سيرة عمر ولله الحمد والمنة. قال: وفيها استقضى عمر شريحاً على الكوفة، وكعب بن سور على البصرة قال: وفيها حج مر بالناس وكانت نوابه فيها الذين تقدم ذكرهم في السنة الماضية، وفيها فتحت الرقة والرُّها وحران على يدي عياض بن غَنْم. قال: وفتحت رأس عين الوردة على يدي بن سعد بن أبي وقاص. وقال غيره خلاف ذلك. وقال شيخنا الحافظ الذهبي في تاريخه: وفيها - يعني هذه السنة - افتتح أبوموسى الأِعري الرها وشمشاط عنوة، وفي أوائلها وجه أبو عبيدة عياض بن غنم إلى الجزيرة فوافق أبا موسى فافتتحا حران ونُصيبين وطائفة من الجزيرة عنوة، وقيل صلحاً. وفيها سار عياض إلى الموصل فافتتحها وما حولها عنوة. وفيها بنى سعد جامع الكوفة. وقال الواقدي: وفيها اكن طاعون عمواس فمات فيه خمسة وعشرون ألفاً. قلت: هذا الطاعون منسوب إلى بلدة صغيرة يقال لها عمواس - وهي بين القدس والرملة- لأنها كان أول ما نجم الداء بها، ثم انتشر في الشام منها فنسب إليها، فإنا لله وإنا إليه راجعون. قال الواقدي توفى في عام طاعون عمواس من المسلمين بالشام خمسة وعشرون ألفاً. وقال غيره: ثلاثون ألفاً.