بيوتهم، وسار إليه جماعة من أبناء الصحابة، عن أمر أبائهم، منهم الحسن والحسين، وعبد الله بن الزبير- وكان أمير الدار- وعبد الله بن عمرو، وصاروا يحاجون عنه، ويناضلون دونه أن يصل إليه أحد منهم، وأسلمه بعض الناس رجاء أن يجيب أولئك إلى واحدة مما سألوا، فإنهم كانوا قد طلبوا منه إما أن يعزل نفسه، أوي سلم إليهم مروان بن الحكم، ولم يقع في خلط أحد أن القتل كان في نفس الخارجين، وانقطع عثمان عن المسجد فكان لا يخرج إلا قليلاً في أوائل الأمر، ثم انقطع بالكلية في آخره، وكان يصلى بالناس في هذه الأيام الغافقي بن حرب، وقد استمر الحصر أكثر من شهر، وقيل أربعين يوماً، حتى كان آخر ذلك أن قتل شهيداً رضي الله عنه.
كان الحصار مستمراً من أواخر ذي القعدة إلى يوم الجمعة الثامن عشر من ذي الحجة، فلما كان قبل ذلك بيوم، قال عثمان للذين عنده في الدار من المهاجرين والأنصار- وكانوا قريباً من سبعمائة، فيهم عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير والحسن والحسين ومروان وأبو هريرة، وخلق من مواليه، ولو تركهم لمنعوه فقال لهم: أقسم على من لي عليه حق أن يكف يده وأن ينطلق إلى منزله، وعنده من أعيان الصحابة وأبنائهم جم غفير، وقال لرقيقه: من أغمد سيفه فهو حر، فبرد القتال من داخل، وحمي من خارج، وأشتد الأمر، وكان سبب ذلك أن عثمان رأي في المنام رؤيا دلّت على اقتراب أجله فاستسلم لأمر الله رجاء موعوده، وشوقاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليكون خير ابني آدم حيث قال حين أراد أخوه قتله:{إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ}(١). وروي أن آخر من خرج من عند عثمان من الدار، بعد أن عزم عليهم في الخروج، الحسن ابن علي وقد خرج، وكان أمير الحرب على أهل الدار عبد الله بن الزبير رضي الله عنهم.
ولما رأى عثمان ذلك عزم على الناس لينصرفوا إلى بيوتهم، فانصرفوا كما تقدم، فلم يبق عنده أحدى سوى أهله، فدخلوا عليه من الباب، ومن الجدران وفزع عثمان إلى الصلاة وافتتح سورة طه، وكان سريع القراءة - فقرأها والناس في غلبة عظيمة، قد احترق الباب والسقيفة التي عنده وخافوا أن يصل الحريق إلى بيت المال، ثم فرغ عثمان من صلاته