السلام. وكذلك الأمم تحتاج إلى أن يكون لها جنود يدافعون عن كيانها، وأن يكون على الجنود ضباط وقادة، وتجد فيهم الفقراء الذين يعانون الشدة والبؤس، كما تجد فيهم الأغنياء من أهل الترف والسرف. وفيهم عباد لله يقومون بطاعته في جوف الليل، وزهاد تحرروا من متع الدنيا وزخرفها، ومجاهدون في سبيل الله يقارعون الباطل ويقيمون الحق في الأرض، وكذلك الدنيا لا تخلو من قادة الأمم وساسة الشعوب وزعماء الأحزاب.
وعلى شتى الطوائف ومختلف الفرق قام نظام هذه الدنيا، وكل منهم يحتاج في عمله إلى حياة مثالية وأسوة كاملة يقتدي بها ليكون سعيداً في الحياة. والإسلام دعا جميع هذه الفرق والطوائف والأحزاب لأن يتبعوا سنة محمد صلى الله عليه وسلم ويقتفوا آثاره ويسلكوا طريقه.
ومن تتبع ذلك يتبين له أن السيرة المحمدية تكفي جميع شعوب البشر وطوائفهم وفرقهم، إذا اتخذوا منها الأسوة والقدوة، ففيها النور الذي يستضاء به في ظلمات الحياة الاجتماعية وكم من ظلمة حالكة في الحياة! ومن هنا تعلم أن سيرة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم جامعة تجد فيها كل طائفة من طوائف البشر المثل الأعلى الذي تقتدي به، والأسوة التي يتأسى بها.
ومن الظاهر الواضح أن حياة المحكوم لا تصلح لأن تكون قدوة لحياة الحاكم، كما أن حياة الحاكم لا تلح لأن تكون قدوة لحياة المحكوم. وكذلك الفقير المعدم لا يتسنى له أن يسير في معيشته على ضوء من حياة الغني المثري" ومن ثم مست الحاجة إلى أن تكون الحياة المحمدية جامعة يجد فيها الناس كلهم - على اختلاف طوائفهم - الأسوة الكاملة في جميع ألوان الحياة وأطوارها، وإن مثلها كمثل الياقة الجامعة لكل أصناف الزهور والورود بجميع ألوانها، ففيها الأحمر القاني والأبيض الناصع والأخضر الناضر والأصفر الفاقع.
وفي البشر طوائف مختلفة وفرق شتى تحتاج كلها إلى حياة مثالية تكون نموذجاً لها في حياتها ومعيشتها. ولكل إنسان من هذه الطوائف أعمال وأحوال تتقلب عليه بتقلب الظروف، بين قيام وقعود ومشي وأكل وشرب ونوم ويقظة وضحك وبكاء وارتداء الملابس وخلعها وأخذ وعطاء وتعلم وتعليم، وقد يموت حتف أنفه أو يقتل، ويكون محسناً لغيره أو محتاجاً لإحسان الآخرين إليه، وقد يكون في عبادة ربه أو في معاملة الناس