للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

منها الأزلام، فاستقسمت بها: أضُرُّهم، أم لا؟ فخرج الذي أكره، فركبت فرسي - وعصيتُ الأزلام - تُقرب بي، حتىإذا سمعت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يلتفت، وأبو بكر يُكثر الالتفات: ساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغتا الركبتين، فخررت عنها، ثم زجرتها فنهضتْ، فلم تكد تُخرج يديها، فلما استوت قائمة إذا لأثر يديها عُثان ساطع في السماء مثل الدخان، فاستقسمتُ بالأزلام، فخرج الذي أكره، فناديتُهم بالأمان، فوقفوا، فركبت فرسي حتى جئتهم، ووقع في نفسي - حين لقيتُ ما لقيتُ من الحبس عنهم - أن سيظهر أمر رسول الله ر، فقلت له: إن قومك قد جعلوا فيك الدية -وأخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم - وعرضتُ عليهم الزاد والمتاع، فلم يرزآني شيئاً، ولم يسألاني، إلا أن قال: "أخف عنا ما استطعت" فسألته أن يكتب لي كتاب أمنٍ، فأمر عامر بن فهيرة، فكتب لي في رُقعةٍ من أدمٍ، ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قاب ابن شهاب (١): فأخبرني عروة بن الزبير أن رسل الله صلى الله عليه وسلم لقي الزبير في ركب من المسلمين تجاراً قافلين من الشام، فكسا الزبير رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر ثياب بياض، وسمع المسلمون بالمدينة فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة، فكانوا يغدون كل غداة إلى الحرة فينتظرونه، حتى يردهم حرُّ الظهيرة، فانقلبوا يوماً بعدما أطالوا انتظارهم، فلما أووا إلى


= الأزلام: القداح، واحدها: زُلم، وزَلم- بفتح الزاي وضمها، وفتح اللام فيهما - والقِدْحُ: السهم الذي لا نصل له ولا ريش، وكان لهم في الجاهلية هذه الأزلام، مكتوب عليها الأمر والنهي، وكان الرجل منهم يضعها في كنانته أو في وعائه، ثم يخرج منها عند عزيمته على أمر ما اتفق له من غير قصد، فإن خرج الآمرُ مضي على عزمه، وإن خرج الناهي انصرف.
الاستقسام: أصل الاستقسام: طلب ما قسم الله له من الأقسام، "والقَسَّم": النصيب المغيب عنه عند طلبه، وذلك محمود إذا طلب من جهته سبحانه، وكان أهل الجاهلية يطلبون ما غيب عنهم من ذلك من جهة الأزلام، فما دلتهم عليه فعلوه.
ساخت: قوائم الدابة في الأرض: غاصت فيها.
عثان: العثان: الغبار، وأصله الدخان.
الساطع: المرتفع في الجو منتشراً.
ما رزأت فلاناً شيئاً: أي: ما أصبت منه شيئاً، والمراد أنهما لم يأخذا منه شيئاً.
(١) رواه البخاري تعليقاً (٧/ ٢٣٩).
قافلين: القافل: الراجع من سفره.

<<  <  ج: ص:  >  >>