ورفقوا بضعيفها، وأحسنوا التعاهد لها، فيكون تحملهم لمشقة ذلك أسهل مما لو كلفوا القيام بذلك من أول وهلة؛ لما يحصل لهم من التدريج على ذلك برعي الغنم، وخصت الغنم بذلك لكونها أضعف من غيرها، ولأن تفرقها أكثر من تفرق الإبل البقر، وبالإمكان ضبط الإبل والبقر بالربط دونها في العادة المألوفة، ومع أكثرية تفرقها فهي أسرع انقياداً من غيرها، وفي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لذلك بعد أن علم أنه أكرم الخلق على الله ما كان عليه من عظيم التواضع لربه والتصريح بمننه عليه وعلى إخوانه الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر الأنبياء.
٢ - وعن الأخذ بالأسباب للتكسب: أقول: يتحدث بعض العلماء عن الأخذ بالأسباب، وعن التجريد في موضوع كسب القوت، ويعتبرون كُلا منهما في محله هو الكمال. وهكذا كان شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كانت حياته قبل النبوة عملاً متواصلاً لكسب القوت، فمن رعى غنم إلى رعي إبل إلى تجارة، ومن إجارة إلى شركة، وقد استمر هذا بعد النبوة ضمن حدد، حتى إذا اقتضت الدعوة الإسلامية تجريداً لم يبق لمحاولة الكسب محل، فكان التجريد على أكمله، فحتى فتحت خيبر لم يكن له - عليه الصلاة والسلام - معلوم في الرزق، بل هو الزهد والعفة والتوكل، وكلا المقامين من أعلام نبوته - عليه الصلاة والسلام -.