وجد لأصحاب عائشة في المعسكر وأمر به أن يحمل إلى مسجد البصرة. فمن عرف شيئًا هو لأهلهم فليأخذه، إلا سلاحًا كان في الخزائن عليه سمة السلطان، وكان مجموع من قتل يوم الجمل من الفريقين عشرة آلاف، خمسة من هؤلاء وخمسة من هؤلاء، رحمهم الله ورضي عن الصحابة منهم وقد سأل بعض أصحاب علي عليًا أن يقسم فيهم أموال أصحاب طلحة والزبير، فأبى عليهم، فطعن فيه السبأية وقالوا: كيف يحل لنا دماؤهم ولا تحل لنا أموالهم؟ فبلغ ذلك عليًا فقال: أيكم يحب أن تصير أم المؤمنين في سهمه؟ فسكت القوم، ولهذا لما دخل البصرة فض في أصحابه أموال بيت المال، فنال كل رجل منهم خمسمائة، وقال: لكم مثلها من الشام، فتكلم فيه السبأية أيضًا ونالوا منه من وراء وراء.
أقول: ثم إن عليًا رضي الله عنه نهد إلى أهل الشام فالتقوا في أواخر السنة السادسة والثلاثين وكان قتال ودخلت سنة سبع وثلاثين والقتال مستمر.
وقال ابن كثير: استهلت هذه السنة وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه متواقف هو ومعاوية بن أي سفيان رضي الله عنه، كل منهما في جنوده بمكان يقال له صفين بالقرب من الفرات شرقي بلاد الشام، وقد اقتتلوا في مدة شهر ذي الحجة كل يوم، وفي بعض الأيام ربما اقتتلوا مرتين، وجرت بينهم حروب يطول ذكرها، والمقصود أنه لما دخل شهر المحرم تحاجز القوم رجاء أن يقع بينهم مهادنة وموادعة يؤول أمرها إلى الصلح بين الناس وحقن دمائهم.
أقول: ولكن القتال استمر بعد ذلك فترة طويلة حتى إذا تضايق أهل الشام رفعوا المصاحف وتم الاتفاق على التحكيم، وكان قد قتل خلال ذلك عمار بن ياسر فعرف أن الحق بجانب علي رضي الله عنه، وقد ذكر ابن كثير مختصرًا لهذه الأيام فقال:
وجرت بينهم أمور طويلة، ورغب أكثر الناس من العراقيين وأهل الشام بكمالهم إلى المصالحة والمسالمة مدة لعله يتفق أمر يكون فيه حقن لدماء المسلمين، فإن الناس تقانوا في هذه المدة، ولا سيما في هذه الثلاثة الأيام المتأخرة التي آخر أمرها ليلة الجمعة وهي ليلة الهرير. كل من الجيشين فيه من الشجاعة والصبر ما ليس يوجد في الدنيا مثله، ولهذا لم