٥ - كان اعتماد أبي الحسن على رأيه وعزمه أكثر من اعتماده على من حوله، وكان الرجال الذين هم على مستوى المرحلة أقل من المطلوب، ولذلك كانت التعبئة النفسية أقل من اللازم، وكانت الأمور تنتقص واحدا بعد واحد.
٦ - وأهم من هذا كله أن الحماس المتأجج للصراع ضد الكافرين لم يكن هو نفسه عند أهل الحق في الصراع ضد المسلمين، وكان المفروض أن يكون رصيد الإمام هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن الكثيرين من هؤلاء تهيبوا سفك الدم المسلم.
٧ - ومع ذلك فأبو الحسن هو الخليفة الراشد القدوة المهدى وقد سن لنا سنناً، سن لنا كيف نتعامل مع البغاة، وسن لنا القتال من أجل الوحدة الإسلامية وإذا كانت هذه الوحدة لا تتم إلا بفناء المسلمين فقد سن لنا التسليم بتعدد الأقطار والحكام، ولقد كان عليه الرضوان امتداداً لعصر النبوة في تفكيره وتصرفاته ولكن الناس تغيروا، وما نحب أن نتغير، ولكن لابد أن نأخذ العبرة فنتعامل مع الزمان والمكان على حسب ما تجيزه الفتوى وتقتضيه المصلحة.
إن هذه الفتن الهائلة التي حدثت بين علي من جهة وطلحة والزبير وعائشة من جهة أخرى وبين علي من جهة وبين معاوية من جهة أخرى، كان فيها علي على الحق والصواب وكان الآخرون متأولين وكانوا مخطئين، ولكن ثقتهم بصواب ما ذهبوا إليه كانت كبيرة جداً، لذلك استرخصوا دماءهم في سبيلها، فلقد كانوا مقتنعين أن عثمان قد قتل ظلماً وأن قتلته يجب أن يحاسبوا وأن علياً لم يجاسبهم بل أصبحوا جزءا من جنده، فكانوا يرون أن علياً ظالم بحمايته لهؤلاء الناس، وكان علي رضي الله عنه يعتبر نفسه وهو على حق في ذلك الخليفة الراشد وأن من يطيعه ومن بايعه وأخلص له هو الذي تتمثل به جماعة المسلمين، ولو أنه حاسب هؤلاء لفرط عقد جماعة المسلمين فتأول في ألا يبدأ في محاسبتهم، وهو الأعلم بالأحكام وصاحب الترجيح في كل قضية خلافية بحكم أنه إمام، وهكذا حدث الصراع المفجع وكل من الأطراف لاشك أنه على حق وهم خير الخلق بشهادة النصوص، فلذلك فنحن نعتقد أن المخلصين ممن كان مع علي على حق وصواب وهم مأجورون مرتين، وأن المخلصين ممن كان ضده مخطئون في اجتهادهم ولهم أجر واحد، وفي هؤلاء وهؤلاء من نكل أمرهم إلى