والتشكيك، وتجرد للآخرة حق التجرد، وانسلخ عن الجاهلية انسلاخاً تاماً، وبذلك وُجِدَ الجيل القادر على حمل الدعوة وصهرِ الناس فيها حتى إذا جاءت مرحلة الدولة في المدينة المنورة كان الملاك القيادي معداً.
لقد كانت المرحلة المكية مرحلة تعريف وتكوين، وضع فيها الأساس للعمل الدعوي والتكويني إلى قيام الساعة، كما أنها المرحلة التي تعد لأعباء المرحلة اللاحقة مرحلة الجهاد المتواصل، على أعلى وأرقى ما يكون.
لقد كانت مرحلة مران على ضبط النفس والطاعة المطلقة، وكانت مرحلة تعلق بالمثل العليا - وهم رسل الله صلى الله عليه وسلم جميعاً - ولذلك نزلت أكثر قصص الأنبياء في هذه المرحلة.
وقد أخذ الأستاذ البنا - رحمه الله - من هذه المرحلة والمرحلة اللاحقة فكرته الرئيسية: أن الدعوة الإسلامية مر بثلاث مراحل: مرحلة التعريف ومرحلة التكوين ومرحلة التنفيذ. ولقد صاغ نظريته هذه متأسياً بالسيرة، ومنسجماً مع اكتمال الوحي واستقرار التشريع، وملاحظاً الأوضاع المعاصرة للمسلمين، فكانت نظرية لا أجمل منها ولا أكمل.
٣ - وتجد في هذه المرحلة أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتجنب الصراع السياسي والصراع العسكري، ويكرس كل جهوده للوصول بالدعوة إلى قلوب الناس وعقولهم، دون أن يعطي لعدوه فرصة الاستئصال للدعوة والداعية، بل كان كثير الحرص على تأمين الحماية للدعوة والداعية والمستجيبين، ولقد عدّد الطرق التي تتأمن بها الحماية: فمن دخول في حماية، إلى أمر بهجرة، إلى طلب لبعضهم أن يعيشوا في أكناف قبائلهم مستفيداً من الأعراف والعادات والتقاليد.
وهذا وضع يجب أن يفطن له الدعاة فلا يعطوا فرصاً لخصومهم كي يستأصلوهم، وعليهم أن يستفيدوا من الأعراف الدولية والقوانين المحلية ليعطوا لدعوتهم فرصة السير.
٤ - كما أنه من الواضح في هذه المرحلة أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان دائب البحث عن الجهة القادرة على حماية هذا الدين ونصرته والقيام بنشره، وفي اصطلاح عصرنا كان دائم