رابعها: أن عبد الله كان قد ظفر في الشام بجمل جمل من كتب أهل الكتاب، فكان ينظر فيه ويحدث منها، فتجنب الأخذ عنه لذلك كثير من أئمة التابعين. ا. هـ.
وذكر الذهبي في السير (١) عن السائب بن يزيد: سمع عمر يقول لأبي هريرة: لتتركن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لألحقنك بأرض دوس؛ وقال لكعب [الأحبار]: لتتركن الحديث، أو لألحقنك بأرض القردة.
قال ابن كثير بعد أن أورد الخبر: وهذا محمول من عمر على أنه خشي من الأحاديث التي قد تضعها الناس على غير مواضعها، وأنهم يتكلمون على ما فيها من أحاديث الرخص، وأن الرجل إذا أكثر من الحديث ربما وقع في أحاديثه بعض الغلط أو الخطأ، فيحملها الناس عنه أو نحو ذلك.
قال الذهبي: كان عمر رضي الله عنه يقول: أقلوا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وزجر غير واحد من الصحابة عن بث الحديث، وهذا مذهب لعمر ولغيره.
فبالله عليك، إذا كان الإكثار من الحديث في دولة عمر، كانوا يمنعون منه، مع صدقهم وعدالتهم وعدم الأسانيد، بل هو غض لم يشب؛ فما ظنك بالإكثار من رواية الغرائب والمناكير في زماننا مع طول الأسانيد، وكثرة الوهم والغلط، فبالحري أن نزجر القوم عنه، فياليتهم يقتصرون على رواية الغريب والضعيف، بل يروون -والله- الموضوعات والأباطيل والمستحيل في الأصول والفروع، والملاحم والزهد، نسأل الله العافية.
فمن روى ذلك مع علمه ببطلانه، وغر المؤمنين، فهذا ظالم لنفسه جانٍ على السنن والآثار، يستتاب من ذلك؛ فإن أناب وأقصر، وإلا فهو فاسق؛ كفى به إثمًا أن يحدث بكل ما سمع. وإن هو لم يعلم، فليتورع، وليستعن بمن يعينه على تنقية مروياته. نسأل الله العافية؛ فلقد عم البلاء، وشملت الغفلة، ودخل الداخل على المحدثين الذين يركن إليهم المسلمون؛ فلا عتبى على الفقهاء وأهل الكلام.