للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الواقدي هذه الرواية المرسلة وقال: لم يقرن به من الملائكة إلا جبريل، انتهى. ولا يخفى ما فيه، فإن المثبت مقدم على النافي إلا إن صحب النافي دليل نفيه فيقدم، والله أعلم. وأخذ السهيلي هذه الرواية فجمع بها المختلف في مكثه صلى الله عليه وسلم بمكة، فإنه قال: جاء في بعض الروايات المسندة أن مدة الفترة سنتان ونصف، وفي رواية أخرى أن مدة الرؤيا ستة أشهر. فمن قال مكث عشر سنين حذف مدة الرؤيا والفترة، ومن قال ثلاث عشرة أضافهما. وهذا الذي اعتمده السهيلي من الاحتجاج بمرسل الشعبي لا يثبت، وقد عارضه ما جاء عن ابن عباس أن مدة الفترة المذكورة كانت أياماً.

أقول: على القول: إن فترة الوحي كانت ثلاث سنين فيكون نزول سورة المدثر والمزمل بعد بدء الوحي بثلاث سنين، وبسبب هذا القول ذهب من ذهب أن النبوة كانت على رأس الأربعين، وأن الرسالة كانت بعد ثلاث سنين، والراجح عندي أن الأمر بالدعوة لم يكن متأخراً كثيراً عن بدء الوحي، ولكن منذ بدء الوحي حتى انتهاء الفترة السرية كان ثلاث سنين، وعلى كل الأحوال فإن سورة {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} نزلت بعد فترة الوحي، وعلى هذا تحمل الرواية التي تذكر أن أول ما نزل سورة المدثر فهي أولية نسبية ذلك أنها أول ما نزل بعد فترة الوحي.

٤٩ - * روى الحاكم عن جابر رضي الله عنه قال: سعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يُحدث عن فترة الوحي قال: "فقلت زملوني فدثروني فأنزل الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} " قال هي الأوثان.

يؤكد هذا الحديث أن سورة المدثر نزلت بعد فترة الحي فليس هي أول سورة نزلت بإطلاق، بل هي أول ما نزل بعد فترة الوحي.

٥٠ - * روى البخاري عن جُندُب بن سفيان البجلي رضي الله عنه قال: اشتكى رسولُ


٤٩ - المستدرك (٢/ ٢٥١) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه اللفظة.
زملوني: أي لفوني بثيابي، والمزمل هو الملتف بثيابه، وكذلك دثروني. الأوثان: الأصنام، والوثن هو الصنم.
٥٠ - البخاري (٨/ ٧١٠) ٦٥ - كتاب التفسير - ٩٣ - سورة الضحى - ١ - باب: ما ودعك ربك وما قلى. ومسلم (٣/ ١٤٢٢) ٣٢ - كتاب الجهاد والسير - ٣٩ - باب: ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين والمنافقين. =

<<  <  ج: ص:  >  >>