وقبل كل ذلك الحديث الطويل الذي رواه الشيخان عن عائشة رضي الله عنها في قصة أول بعثته صلى الله عليه وسلم ونزول جبريل عليه بحراء.
بدأ الوحي بقوله تعالى:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} وبعد فترة نزل {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ} .... {يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} فلنقف وقفة عند ذلك:
عند قوله تعالى:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} قال السهيلي:
أي لا تقرؤه بقوتك ولا بمعرفتك، لكن بحول ربك وإعانته، فهو يعلمك، كما خلقكم وكما نزعه عنك علق الدم وغمز الشيطان في الصغر، وعلم أمتك حتى صارت تكتب بالقلم بعد أن كانت أمية.
أقول: أخذ بعض أهل السلوك إلى الله عز وجل من هذا أن السالك إلى الله يبدأ بقراءة هذا الكون مستعيناً باسم الله، حتى إذا احترق بالذكر وأذن له شيوخه بالدعوة إلى الله قام بالدعوة، وعليه في هذا الحال أن يجتمع له دعوة وعبادة {قُمْ فَأَنْذِرْ}{قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} ولا ينجح بالدعوة إلا من اجتمع له تعظيم الله {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} وطهارة الظاهر والباطن {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} والتباعد عن عبادات الجاهلية {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} والعمل مع رؤية التقصير {وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} والصبر على مقتضيات الدعوة {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ}.