للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

في جماعة بخشوع وطمأنينة وانكسار وإيمان، مع أداء الواجب، واجتناب الكبائر، وكثرة الدعاء والاستغفار، والصدقة وصلة الرحم، والتواضع، والإخلاص في جميع ذلك، لشغل عظيم جسيم، ولمقام أصحاب اليمين وأولياء الله المتقين، فإن سائر ذلك مطلوب. فمتى تشاغل العابد بختمة في كل يوم، فقد خالف الحنيفية، ولم ينهض بأكثر ما ذكرناه، ولا تدبر ما يتلوه.

هذا السيد العابد الصاحب كان يقول لما شاخ: ليتني قبلت رخضة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكذلك قال له عليه السلام في الصوم، وما زال يناقصه، حتى قال له: "صم يوماً وأفطر يوماً، صوم أخي داود عليه السلام" وثبت أنه قال: "أفضل الصيام صيام داود" (١). ونهى عليه السلام عن صيام الدهر (٢). وأمر عليه السلام بنوم قسط من الليل، وقال: "لكني أقوم وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، وأكل اللحم، فمن رغب عن سنتي فليس مني" ا. هـ الذهبي.

قال الحافظ في الفتح: والمراد بالسنة: الطريقة، لا التي تقابل الفرض، والرغبة عن الشيء: الإعراض عنه إلى غيره، والمراد: من ترك طريقتي، وأخذ بطريقة غيري، فليس مني ولمح بذلك إلى طريق الرهبانية، فإنهم الذين ابتدعوا التشديد كما وصفهم الله تعالى، وقد عابهم بأنهم ما وفوه بما التزموه، وطريقة النبي صلى الله عليه وسلم الحنيفية السمحة، فيفطر ليقوى على الصوم، وينام ليتقوى على القيام، ويتزوج لكسر الشهوة، وإعفاف النفس، وتكثير النسل.

ثم قال الذهبي: وكل من لم يلزم نفسه في تعبده وأورده بالسنة النبوية، يندم ويترهب ويسوء مزاجه، ويفوته خير كثير من متابعة سنة نبيه الرؤوف الرحيم بالمؤمنين، الحريص على نفعهم، وما زال صلى الله عليه وسلم معلماً للأمة أفضل الأعمال، وأمراً يهجر التبتل والرهبانية التي لم


(١) رواه البخاري (٤/ ٢٢٠) ٢٠ - كتاب الصوم - ٥٦ - باب صوم الدهر.
ومسلم (٢/ ٨١٦) ١٣ - كتاب الصيام - ٣٥ - باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به.
(٢) رواه البخاري (٤/ ٢٢٤) ٢٠ - كتاب الصوم - ٥٩ - باب صوم داود عليه السلام.
ومسلم في الموضع السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>