للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فأتني"، نأخذ منه درساً في الدعوة: أن تكديس المريدين والأعضاء حيث المحنة والإيذاء ليس هو الأصل، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوجه نحو الرجوع إلى الأقوام، وأمر كما سنرى بالهجرتين إلى الحبشة، فذلك تخفيف عن المسلمين وإبعاد عن مواطن الخطر وستر لقوة المسلمين، وإعطاء فرصة للقائد حتى لا يشغل، وضمان للسرية، وإفادة للمكان المرسل إليه، وإعداد للمستقبل، وملاحظة لضمان الاستمرار وتجنب الاستئصال.

٧٧ - * روى الحاكم عن خالد بن عمير العدوي قال: خطبنا عتبةُ بن غزوان فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإن الدنيا قد آذنت بصرمٍ وولت حذاء، وإنما بقي منها صُبابة كصبابة الإناء يصطبُّها صاحِبُها، وإنكم منتقلون منها إلى دارٍ لا زوال لها، فانتقلوا منها بخير ما يحضركم، فإنه قد ذكر لنا أن الحجر يُلقى من شفير جهنم فيهوي بها سبعين عاماً وما يدرك لها قعراً فوالله لتملأنهُ: أفعجبتُم وقد ذُكر لنا أن مصراعين من مصاريع الجنة بينهما أربعون سنة وليأتين عليه يوم وهو كظيظٌ من الزحام. ولقد رأيتُني وإني لسابعُ سبعةٍ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لنا طعام إلا ورق الشجر حتى قرحت أشداقنا، وإني التقطتُ بردة فشققتها بيني وبين سعد بن أبي وقاص فارس الإسلام فأتزرت بنصفها وأتزر سعد بنصفها، وما أصبح منا اليوم أحد حي إلا أصبح أمير مصر من الأمصار، وإنني أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيماً وعند الله صغيراً، وإنها لم تكنْ نبوءة قط إل تناقصت حتى يكون عاقبتها ملكا، وستجربون أو ستبلون الأمراء بعدي.

قوله: (وما أصبح منا اليوم أحد حيٌ إلا أصبح أمير مصر من الأمصار) فيه إشارة إلى ملاحظة السبق والقدم في التأمير دون أن يكون ذلك قاعدة مطلقة، ومن الملاحظ أن الخلفاء الراشدين الأربعة كلهم ممن تقدمت له سابقة إسلام وتقدم إسلام.

قوله: (لم تكن نبوة قط إلا تناقصت حتى يكون عاقبتها ملكاً) هذا هو الواقع التاريخي قديماً وهو ما حدث بعد محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى الأمة الإسلامية الآن أن تحكم أمرها


٧٧ - المستدرك (٣/ ٣٦١) وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وأقره الذهبي.
أذنت بصرم وولت حفاء: المراد انقطاع الدنيا، والحفاء: المقطوعة. صبابة: البقية من الماء واللبن في الإناء. شفير جهنم: أي جانبها وطرفها، كظيظ: ممتلئ من الازدحام. قرحت أشداقنا: أي تجرحت.

<<  <  ج: ص:  >  >>