لقد سَمعتُ قول الكهنة، فما هو بقولهم، ولقد وضعت قوله على أقراء الشعراء، فما يلتئم على لسان أحدٍ بعدي أنه شعرُ، والله إنه لصادق، وإنهم لكاذبون، قال: قلت: فاكفني حتى أذهب فانظر، قال: فأتيت مكة فتضعفتُ رجلاً منهم، فقلتُ: أين هذا الذي تدعونه الصابئ؟ فأشار إليَّ، فقال: الصابئ؟ فمال عليَّ أهل الوادي بكل مدرةٍ وعظمٍ، حتى خررتُ مغشياً عليِّ، قال: فارتفعت حين ارتفعتُ. كأني نُضُب أحمر، قال: فأتيتُ زمزم، فغسلتُ عني الدماء، وشربتُ من مائها، ولقد لبثت يا ابن أخي ثلاثين، بين ليلةٍ ويومٍ، وما كان لي طعام إلا ماء زمزم، فسمنتُ حتى تكسرت عكن بطني، وما وجدتُ على كبدي سخفة جوعٍ، قال: فبينا أهل مكة في ليلة قمراء إضحيان، إذ ضُرب على أسمختهم فما يطوفُ بالبيت أحدٌ، وامرأتانِ منهم تدعوان إسافاً ونائلة، قال: فأتنا عليَّ في طوافهما، فقلت: هن مثل الخشبة - غير أني لا أكني - فانطلقنا تولولان، وتقولان: لو كان هاهنا أحد من أنفارنا؟ قال: فاستقبلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وهما هابطان، قال: ما لكما؟ قالتا: الصابئ بين الكعبة وأستارها، قال: ما قال لكما؟ قالتا: إنه قال لنا كلمة تملأ الفم، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استلم الحجر، وطاف بالبيت هو وصاحبه، ثم صلى فلما قضى صلاته، قال أبو ذر: فكنتُ أنا أول من حياهُ بتحية الإسلام، قال فقلتُ: السلام عليك يا رسول الله. فقال:"وعليك السلام ورحمة الله"، ثم قال:"من أنت؟ " قلتُ: مِنْ غفارٍ، قال: فأهوى بيده، فوضع أصابعه على جبهته، فقلتُ في نفسي: كره أن انتميتُ إلى غفارٍ، فذهبتُ آخذُ بيده، فقعدني صاحبه، وكان أعلم به مني، ثم رفع رأسه، فقال:"متى كنت هاهنا؟ " قال: قلت: قد كنت هاهنا منذ ثلاثين، بين ليلةٍ ويومٍ، قال:"فمن كان يطعمك؟ " قال: قلتُ: ما كان لي طعام إلا ماء زمزم، فسمنت حتى تكسرت عكن بطني، وما أجد على كبدي سخفة جُوع، قال: "إنها مباركةٌ، إنها طعامُ
= طعمٍ، أي: طعام شبع، يعني أنه يشبع ويكف الجوع ويكفي منه. ظهرت: الغابر هاهنا: الباقي، وهو من الأضداد، أي بقيت ما بقيت. يثرب: المدينة المنورة طابة وطيبة. وقد جاء في حديث في النهي عن تسميتها يثرب. فنفوا له: أي: أبغضوه ونفروا منه، والشنف: البغض، تقول: شنفته. وشنفت له. تجهموا: تجهمت لفلان، أي: تنكرت له واستقبلته بما يكره، وفلان جهم المحيا، أي: كريه المنظر.