جعفر: نعَمْ، فقال له النجاشي: فاقرأه. فقرأ عليه صدراً من {كهيعص} قالت: فبكى والله النجاشي حتى اخضل لحيتهُ وبكت أساقفته حتى اخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم، ثم قال النجاشي: إن هذا والله والذي جاء به موسى ليخرجْ منْ مشكاةٍ واحدةٍ انطلقا فوالله لا أسلمهم إليكما بداً ولا أكادُ.
قالت أم سلمة: فلما خرجا من عنده قال عمرو بن العاص: والله لأنبئنهم غداً أيبهم عندهم ثم استأصل به خضراءهم، فقال له عبد الله بن أبي ربيعة وكان أتقى الرجلين فينا: لا تفعل فإن لهم أرحاماً وإن كانوا قد خالفونا قال: والله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى بن مريم عليه السلام عبدٌ.
قالت: ثم غدا عليه الغد فقال له: أيها الملك إنهم يقولون في عيسى بن مريم قولاً عظيماً، فأرسل إليهم فسألهم عما يقولون فيه. قالت: فأرسل إليهم يسألهم عنه. قلت: ولم ينزل بنا مثلها واجتمع القوم فقال بعضهم لبعض ما تقولون في عيسى إذا سألكم عنه؟ قالوا: تقول والله فيه ما قال الله سبحانه وتعالى وما جاء به نبينا كائناً في ذلك ما هو كائن، فلما دخلوا عليه قال لهم ما تقولون في عيسى بن مريم؟ فقال له جعفر بن أبي طالب: نقول فيه الذي جاء به نبينا هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول، قال: فضرب النجاشي يده إلى الأرض فأخذ منها عوداً ثم قال: ما غدا عيسى بن مريم ما قلت هذا العود، فتناخرت بطارقته حوله حين قال ما قال.
فقال: وإن نخرتم والله، اذهبوا فأنتم سُيومٌ بأرضي - والسيوم الآمنون - من سبكم غَرِمَ، فما أحبُّ أن لي دبراً ذهباً وأني آذيت رجلاً منكم (والدبر بلسان الحبشة: الجعل)، ردوا عليهما هداياهما فلا حاجة لي بها، فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي مُلكي فآخذ الرشوة فيه، وما أطاع الناس في فأطيعهُم فيه. قالت: فخرجا من عنده مقبوحين مردوداً عليهما ما جاء به وأقمنا عنده بخير دارٍ مع خير جارٍ فوالله إنا على ذلك إذ تنزل به من يُنازعه في مُلكه
خضراءهم: أصلهم الذي منه تفرعوا. الناخرت: نخر ينخر نخيراً: مد الصوت في خياشيمه، استوسق: اتسق وانتظم.