٣ - يلاحظ أن مهاجري الحبشة لم يكلفوا بأية مهام دعوية على أرض الحبشة، وهذا يفتح أمامنا باباً واسعاً في آداب المسلم إذا ما اضطرته ظروفه إلى هجرة، فإنه في هذه الحالة يسعه أن يلاحظ قوانين البلد الآخر وألا يتدخل في شؤونه الداخلية إلا بالقدر الذي يسمح به البلد الآخر، والأمر واسع فهو يدور بين رخصة وعزيمة وللقيادة الراشدة دور في تحديد العمل المطلوب من المهاجرين على أن لا يقع غدر أو نكث أو خيانة من قِبَلِنا، ولئن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكلف جعفراً وأصحابه بالدعوة فإن هناك روايات تفيد أن جعفراً قد دعا واستجيب له.
٤ - من قصة النجاشي ابتداء وانتهاء نصل إلى قضية على غاية من الأهمية في العمل الحركي، فالنجاشي أسلم في النهاية، وبقي على رأس نظام له قوانين غير إسلامية، وقبل الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك منه وصلى عليه لما مات، وهذا يفيد أن الحكم على نظام بالكفر لا يعني الحكم على كل فرد فيه بذلك، بل قد يوجد نظام كافر ويحكم للرأس المدبر لهذا النظام بالإسلام ظاهراً وباطناً، كما هو حال النجاشي.
٥ - نذكر بمناسبة الكلام عن الهجرية الأولى للحبشة الأولى للحبشة حادثة سجود المشركين عندما سمعوا سورة "النجم" ويذكر في سياق ذلك حادثة الغرانيق من أن الشيطان أسمع المشركين تمجيداً من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصنامهم أثناء تلاوته عليه الصلاة والسلام، وتلك قصة باطلة لا أصل لها.
٦ - وفي حكم الهجرة قال الدكتور البوطي: أما الهجرة من دار الإسلام فحكمها بين الوجوب والجواز والحرمة: أما الوجوب فيكون عند عدم تمكن المسلم من القيام بالشعائر الإسلامية فيها كالصلاة والصيام والأذان والحج .. ، وأما الجواز فيكون عندما يصبه فيها بلاء يضيق به، فيجوز له أن يخرج منها إلى دار إسلامية أخرى، وأما الحرمة فتكون عندما تستلزم هجرته إهمال واجب من الواجبات الإسلامية لا يقوم به غيره.
٧ - وقال الدكتور البوطي تلعيقاً على حادثة الهجرة إلى الحبشة: