الخلق، لا من حيث أنهما خارقتان حدثتا له وأخبر الناس عنهما - وهو الصادق المصدوق - ثم أكد وقوعهما القرآن، فذلك حجة بالنسبة للمؤمن، ولكن بما رافق ذلك من مشاهد أخبر بها الناس ما كان ليستطيع الإخبار بها لولا أنه قد أسري به عليه الصلاة والسلام.
٣ - ولقد حدث نوع آخر من المعراج لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالروح أو بالرؤيا، مما جعل الأمر يختلط على بعضهم، والأمر من النصوص واضح فالإسراء والمعراج كانا بالجسد والروح، وهذا لاينفي أن يكون له عليه الصلاة والسلام معراج آخر كان توطئة أو تأكيداً، سابقاً أو لاحقاً على المعراج الذي تحدث عنه القرآن.
٤ - وفي الإسراء والمعراج علوم وأسرار ودقائق ودروس وعبر، فهو يؤكد وجود السماوات السبع - وهي من أمر الغيب عندي بما فيه - وفي المعراج، فرضت الصلوات الخمس، وأوتي رسول الله صلى الله عليه وسلم خواتيم سورة البقرة، فذلك إيمان وعمل ورمز على معان كثيرة، منها أن الصلاة معراج القلب.
قال الأستاذ أبو الحسن الندوي:
ولم يكن الإسراء مجرد حادث فردي بسيط رأي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم الآيات الكبرى، وتجلى له ملكوت السماوات والأرض مشاهدة وعياناً - بل زيادة إلى ذلك - اشتملت هذه الرحلة النبوية الغيبية على معان عميقة دقيقة كثيرة، وشارات حكيمة بعيدة المدى: فقد ضحت قصة الإسراء، وأعلنت السورتان الكريمتان اللتان نزلتا في شأنه وتسميان سورة (الإسراء) وسورة (النجم) أن محمداً صلى الله عليه وسلم هو نبي القبلتين، وإمام المشرقين والمغربين، ووارث الأنبياء قبله، وإمام الأجيال بعده، فقد التقت في شخصه وفي إسرائه مكة بالقدس، والبيت الحرام بالمسجد الأقصى، وصلى ألأنبياء خلفه، فكان هذا إيذاناً بعموم رسالته وخلود إمامته وإنسانية تعاليمه، وصلاحيتها لاختلاف المكان والزمان، وأفادت هذه السورة الكريمة تعيين شخصية النبي صلى الله عليه وسلم ووصف إمامته وقيادته وتحديد مكانة الأمة التي بعث فيها وآمنت به، وبيان رسالتها ودورها الذي ستمثله في العالم، ومن بين الشعوب والأمم.