للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فالهجرة واجبة منها على من أسلم وخشي أن يفتن عن دينه، ومفهومه: أنه لو قدر أن لا يبقى في الدنيا دار كفر أن الهجرة تنقطع لانقطاع موجبها والله أعلم أهـ.

لماذا اختيرت المدينة:

ولنُرصِّعْ جيد هذه المقدمة بذكر الحِكَم التي اختيرت من أجلها المدينة داراً لهجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم تنقلها عن الشيخ أبي الحسن الندوي في كتابه (السيرة النبوية):

وكان من حكمة الله تعالى في اختيار المدينة، داراً للهجرة، ومركزاً للدعوة، هذا عدا ما أراده الله من إكراه أهلها، أسرار لا يعلمها إلا الله، أنها امتازت بتحصن طبيعي حربي، لا تزاحمها في ذلك مدينة قريبة في الجزيرة، فكانت حرة الوبرة، مطبقة على المدينة من الناحية الغريبة، وحرة واقم، مطبقة على المدينة من الناحية الشرقية، وكانت المنطقة الشمالية من المدينة، هي الناحية الوحيدة المكشوفة (وهي التي حصنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخندق سنة خمس في غزوة الأحزاب) وكانت الجهات الأخرى من أطراف المدينة محاطة بأشجار النخيل والزروع الكثيفة، لا يمر منها الجيش إلا في طرق ضيقة لا يتفق فيها النظام العسكري، وترتيب الصفوف.

وكانت خفارات عسكرية صغيرة، كافية بإفساد النظام العسكري ومنعه من التقدم، يقول ابن إسحاق: (كان أحد جانبي المدينة عورة، وسائر جوانبها مشككة بالبنيان والنخيل، لا يتمكن العدو منها).

ولعل النبي صلى الله عليه وسلم قد أشار إلى هذه الحكمة الإلهية في اختيار المدينة بقوله لأصحابه قبل الهجرة: "إني رأيت دار هجرتكم، ذات نخل بين لابتين وهما الحرتان" فهاجر من هاجر قبل المدينة.

وكان أهل المدينة من الأوس والخزرج أصحاب نخوة وإباء وفروسية وقوة وشكيمة، ألفوا الحرية، ولم يخضعوا لأحد، ولم يدفعوا إلى قبيلة أو حكومة إتاوة أو جباية، وقد جاء ذلك صريحاً في الكلمة التي قالها سعد بن معاذ - سيد الأوس - لرسول الله صلى الله عليه وسلم: قد كن نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان، لا نعبد الله ولا نعرفه، وهم لا

<<  <  ج: ص:  >  >>