وقال الحاكم النيسابوري: أما كلام أبي عبد الرحمن على فقه الحديث فأكثر من أن يذكر، ومن نظر في كتاب السنن له تحير في حسن كلامه.
وقال: سمعت علي بن عرم الحافظ غير مرة يقول: أبو عبد الرحمن مُقدِّم على كل من يذكر بهذا العلم في زمانه.
وكان شافعي المذهب، له مناسك، ألفها على مذهب الشافعي وكان ورعاً متحرياً، ألا تراه يقول في كتابه (الحارث بن مسكين قراءة عليه، وأنا أسمع) ولا يقول فيه: (حدثنا) ولا (أخبرنا) كما يقول عن باقي مشايخه.
وذلك: أن الحارث كان يتولى القضاء بمصر، وكان بينه وبين أبي عبد الرحمن خشونة، لم يمكنه حضور مجلسه، فكان يستتر في موضع، ويسمع حيث لا يراه فلذلك تورع وتحرى فلم يقل: حدثنا وأخبرنا.
وقيل: إن الحارث كان خائضاً في أمور تتعلق بالسلطان، فقدم أبو عبد الرحمن فدخل إليه في زي أنكره، قالوا: كان عليه قباء طويل، وقلنسوة طويلة فأنكر زيه، وخاف أن يكون من بعض جواسيس السلطان، فمنعه من الدخول إليه فكان يجيء فيقعد خلف الباب ويسمع ما يقرؤه الناس عليه من خارج، فمن أجل ذلك لم يقل فيما يرويه عنه (حدثنا، وأخبرنا).
وسأل بعض الأمراء أبا عبد الرحمن عن كتابه (السنن): أكله صحيح؟ فقال: لا، قال: فاكتب لنا الصحيح منهج مجرداً، فصنع المجتبي، فهو (المجتبي من السنن) ترك كل حديث أورده في (السنن) مما تكلم في إسناده بالتعليل، والله أعلم بالصواب.