إن من طبيعة الداعية الصادق أن يحرص على هداية أعدائه، وأن يفسح لهم المجال لعل الله يلقي في قلوبهم الهداية، ومن هنا نفهم سر ميل الرسول إلى فداء الأسرى يوم بدر، فقد كان يرجو أن يهديهم اللهم، وأن تكون لهم ذرية من بعدهم تعبد الله وتدعو إليه، وإذا كان القرآن الكريم قد عاتب الرسول على ذلك، فلأن ناك مصلحة أخرى للإسلام يومئذ، وهو إرهاب أعداء الله والقضاء على رؤوس الفتنة والضلالة، ولو قتل الأسرى يوم بدر لضعفت مقاومة قريش للقضاء على زعمائها ومؤججي نار الفتنة ضد المؤمنين.
ويلوح لي سر آخر في قبول الرسول أمر الفداء، وهو أن العباس عم الرسول صلى الله عليه وسلم كان من بين الأسرى، وللعباس مواقف في نصرة الرسول قبل إعلان إسلامه، فقد شهد معه بيعة العقبة الثانية سراً، وكان يخبر الرسول عن كل تحركات قريش، مما يؤكد عندي أنه كان مسلماً يكتم إسلامه، فكيف يقتله الرسول وهذا شأنه معه؟ ولو استثناه الرسول من بين الأسرى لخالف شرعه في تحريم قتل المسلم إن كان العباس مسلماً. وإن كان مشركاً، فشريعته لا تفرق بين قريب وبعيد في الوقوف موقف الحزم والعداء من كل من يحارب الله ورسوله، ولاغتنمها المشركون والمنافقون فرصة للتشهير به، ولإضعاف الثقة بعدالته وتجرده عن الهوى في كل ما يصدر عنه، وليس ذلك من مصلحة الدعوة في شيء.
فوائد م كتاب غزوة بدر للدكتور محمد أبو فارس
ومما قاله الدكتور أبو فارس حول دروس بدر الكبرى:
- أهمية الشورى في الإسلام وفي مجال الحرب خصوصاً، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم الموحي إليه من ربه يستشير أصحابه في القتال وغيره، أفلا تكون الشورى في حق غيره آكد وأوجب.
- ضرورة تعرف القائد على مدى رغبة الجنود في القتال وهذا ما فعله رسول الله صلى الله عيه وسلم في مشاورة أصحابه، إذ إن المكره على القتال لا يمكن أن يقدم نتيجة إيجابية.