للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

سفيان: يا ابن الخطاب إنه يوم الصمت فعاد فقال: أين ابن أبي كبشة؟ أين ابن أبي قحافة؟ أين ابن الخطاب؟ فقال عمر: هذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا أبو بكر وها أنا ذا عمر فقال أبو سفيان: يوم بيوم بدر، الأيام دول والحرب سجال، فقال عمر: لا سواء قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار. قال: إنكم لتزعمون ذلك لقد خبنا إذاً وخسرنا. ثم قال أبو سفيان: أما إنكم سوف تجدون في قتلاكم مثلة، ولم يكن ذلك عن رأي سراتنا، ثم أدركته حمية الجاهلية، فقال: أما إنه إذ كان ذلك لم نكرهه.

قال الدكتور البوطي: ما الحكمة في أن يشيع خبر مقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفوف المسلمين؟! ..

الجواب: أن ارتباط المسلمين برسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوده فيما بينهم كان من القوة بحيث لم يكونوا يتصورون فراقه ولم يكونوا يتخيلون قدرة لهم على التماسك من بعده، فكان أمر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً لا يخطر لهم في بال، وكأنهم كانوا يسقطون حساب ذلك من أذهانهم، ولا ريب أنهم لو استيقظوا من غفلتهم هذه على خبر وفاته الحقيقية، لصدع الخبر أفئدتهم، ولزعزع كيانهم الإيماني بل ولقوضه في نفوس كثير منهم.

فكان من الحكمة الباهرة أن تشيع هذه الشائعة، تجربة درسية بين تلك الدروس العسكرية العظيمة، كي يستفيق المسلمون من ورائها إلى الحقيقة التي ينبغي أن يوطنوا أنفسهم لها منذ الساعة، وأن لا يرتدوا على أعقابهم إذا وجدوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اختفى من بينهم.

ومن أجل بيان هذا الدرس الجليل نزلت الآية تعليقاً على ما أصاب كثيراً من المسلمين من ضعف وتراجع لدى سماعهم نبأ مقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك إذ يقول الله تعالى:

(وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم


= دول: جمع دولة: والدولة في الحرب بين الفئتين: أن تهزم هذه مرة وهذه مرة ..
الحرب سجال: أي تكون مرة لنا ومرة لكم، وأصله من المستقين بالدلو، وهو السجل، يكون لهذا دلو ولهذا دلو.
المثلة: العقوبة والتنكيل، وجمعها مثلات.
سراة: أشراف، فهو سرى وهم سراة.

<<  <  ج: ص:  >  >>