للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال في الفتح: قوله (رفعن عن سوقهن) جمع ساق أي ليعينهن ذلك على سرعة الهرب. وفي حديث الزبير بن العوام عند ابن إسحاق قال: والله لقد رأيتني أنظر إلى خدم (١) هند بنت عتبة وصواحباتها مشمرات هوارب ما دون أحدهن قليل ولا كثير. إذ مالت الرماة إلى العسكر حين كشفنا القوم عنه وخلوا ظهرنا للخيل، فأتينا من خلفنا، وصرخ صارخ: ألا إن محمداً قد قتل، فانكفأنا وانكفأ علينا القوم بعد أن أصبنا أصحاب لوائهم حتى ما يدنو منه أحد من القوم.

وقال: وفي هذا الحديث من الفوائد منزلة أبي بكر وعمر من النبي صلى الله عليه وسلم وخصوصيتهما به بحيث كان أعداؤه لا يعرفون بذلك غيرهما، إذ لم يسأل أبو سفيان عن غيرهما. وأنه ينبغي للمرء أن يتذكر نعمة الله ويعترف بالتقصير عن أداء شكرها. وفيه شؤم ارتكاب النهي، وأنه يعم ضرره من لم يقع منه، كما قال تعالى: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) (٢) وأن من آثر دنياه، أضر بأمر آخرته ولم تحصل له دنياه. واستفيد من هذه الكائنة أخذ الصحابة الحذر من العود إلى مثلها، والمبالغة في الطاعة، والتحرز من العدو الذين كانوا يظهرون أنهم منهم وليسوا منهم، وإلى ذلك أشار سبحانه وتعالى في سورة آل عمران أيضاً: (وتلك الأيام نداولها بين الناس) إلى أن قال - (وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين) (٣) وقال: (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب) (٤).

وقد تحدث في الفتح عما آل إليه الأمر بعد الفشل:

صاروا ثلاث فرق: فرقة استمروا في الهزيمة إلى قرب المدينة فما رجعوا حتى انفض القتال وهم قليل، وهم الذين نزل فيهم: (إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان) (٥)، وفرقة صاروا حيارى لما سمعوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل فصار غاية الواحد منهم


(١) خدم: خلاخيل، ومفردها: خدمة.
(٢) الأنفال: ٢٥.
(٣) آل عمران: ١٤٠ - ١٤١.
(٤) آل عمران: ١٧٩.
(٥) آل عمران: ١٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>