الأغنياء منكم) (١) أي لكي لا يكون تداول المال محصوراً فيما بين طبقة الأغنياء منكم فقط.
والتعليل بهذه الغاية يؤذن بأن سياسة الشريعة الإسلامية في شؤون المال، قائمة في جملتها على تحقيق هذا المبدأ. وأن كل ما تفيض به كتب الشريعة الإسلامية من الأحكام المتعلقة بمختلف شؤون الاقتصاد والمال يبتغى من ورائه إقامة مجتمع عادل تتقارب فيه طبقات الناس وفئاتهم ويقضى فيه على أسباب الثغرات التي قد تظهر فيما بينها، والتي قد تؤثر على سير العدالة وتطبيقها.
ولو طبقت أحكام الشريعة الإسلامية وأنظمتها الخاصة بشؤون المال من إحياء لشريعة الزكاة ومنع للربا وقضاء على مختلف مظاهر الاحتكارات لعاش الناس كلهم في بحبوحة من العيش، قد يتفاوتون في الرزق ولكنهم جميعاً مكتفون، وليس فيهم كل على آخر وإن كانوا جميعاً يتعاونون.
والمهم أن تعلم أن الله تعالى لما جعل غاية شريعته في الدنيا إقامة هذا المجتمع، شرع لذلك وسائل وأسباباً معينة ألزمنا باتباعها وعدم الخروج عليها. أي أن الله تعالى تعبدنا بكل من الغاية والوسيلة معاً. فلا يجوز أن يقال: إن الغاية من الإسلام إقامة العدالة الاجتماعية. فلنسلك إلى ذلك ما نراه من السبل والأسباب، بل إن هذا يعد خروجاً على كل من الغاية والوسيلة معاً، فلن تتحقق الغاية التي أمرنا الله تعالى بتحقيقها إلا باتباع الوسيلة التي شرعها لنا سبيلاً إلى تلك الغاية. والتاريخ أعظم دليل والوقائع أكبر شاهد.
هذا وجدير بك أن تعود إلى سورة الحشر بكاملها، لتتأمل تعليق البيان الإلهي العظيم على هذه الحادثة بمجموعها وعامة ملابساتها: اليهود، المنافقون، سياسة الرسول في المال والحرب، وغير ذلك ... فهذه السورة من أهم ما يمكنك من الوقوف على دروس هذه القصة وعظاتها. اهـ.