للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثم أمرهم أن يجعلوه فيه، فوالله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه. فبينما هم كذلك، إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه من خزاعة - وكانوا عيبة نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل تهامة - فقال: إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي نزلوا أعداد مياه الحديبية، ومعهم العوذ المطافيل، وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنا لم نجئ لقتال أحد، ولكنا جئنا معتمرين، وإن قريشاً قد نهكتهم الحرب وأضرت بهم، فإن شاءوا ماددتهم مدة ويخلوا بيني وبين الناس، فإن أظهر فإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا، وإلا فقد جموا. وإن هم أبوا فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي، ولينفذن الله أمره" فقال بديل: سأبلغهم ما تقول. قال فانطلق حتى أتى قريشاً قال: إنا جئناكم من هذا الرجل، وسمعناه يقول قولاً، فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا. فقال سفهاؤهم: لا حاجة لنا أن تخبرونا عنه بشيء. وقال ذوو الرأي منهم: هات ما سمعته يقول: قال: سمعته يقول كذا وكذا. فحدثهم بما قال النبي صلى الله عليه وسلم. فقام عروة بن مسعود فقال: أي قوم، ألستم بالوالد؟ قالوا بلى. قال: أولست بالولد؟ قالوا: بلى. قال: فهل تتهموني؟ قالوا: لا. قال: ألستم تعلمون أني استنفرت أهل عكاظ، فلما بلحوا علي


= يجيش: جاشت البئر بالماء: إذا ارتفعت وفاضت، وجاشت القدر: إذا غلت.
بالري: الري: ضد العطش.
صدروا: الصدر: الرجوع بعد الورود.
عيبة نصح: يقال: فلان عيبة نصح فلان: إذا كان موضع سره وثقته في ذلك.
أعداد مياه: الماء العد: الكثير الذي لا انقطاع لمادته، كماء العيون، وجمعه: أعداد.
العوذ: جمع عائذ: وهي الناقة إذا وضعت إلى أن يقوى ولدها.
المطافيل: جمع مطفل، وهي الناقة معها فصيلها، فاستعار ذلك للناس، أراد به النساء والصبيان.
نهكتهم الحرب: يقول: نهكته الحرب تنهكه، أي: أضرت به وأثرت فيه، من نهك الحمى، وهو ألمها وضررها.
ماددتهم: ماددت القوم، أي: جعلت بينك وبينهم مدة.
جموا: استراحوا، والجمام: الراحة بعد التعب.
سالفتي: السالفة: صفحة العنق، وانفرادها كناية عن الموت، لأنها لا تنفرد عما يليها إلا بالموت.
استنفرت القوم: دعوتهم إلى قتال العدو.
بلحوا: أصلح التبليح: الإعياء والفتور، والمراد: امتناعهم من إجابته وتقاعدهم به، وفيه لغة أخرى (بلحوا) بالتخفيف.=

<<  <  ج: ص:  >  >>