للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هذا الفصل معجزات ظاهرة، وفيه بركة سلاحه وما ينسب إليه. وقد وقع نبع الماء من بين أصابعه في عدة مواطن غير هذه، سيأتي في أول غزوة الحديبية حديث زيد بن خالد "أنهم أصابهم مطر بالحديبية" الحديث، وكأن ذلك وقع بعد القصتين المذكورتين والله أعلم.

زاد ابن إسحاق في روايته "وكانت خزاعة عيبة (١) رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلمها ومشركها لا يخفون عليه شيئاً كان بمكة" ووقع عند الواقدي (أن بديلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: لقد غزوت ولا سلاح معك، فقال: "لم نجئ لقتال" فتكلم أبو بكر، فقال له بديل: أنا لا أتهم ولا قومى أهـ" وكان الأصل في موالاة خزاعة للنبي صلى الله عليه وسلم أن بني هاشم في الجاهلية كانوا تحالفوا مع خزاعة فاستمروا على ذلك في الإسلام. وفيه جواز استنصاح بعض المعاهدين وأهل الذمة إذا دلت القرائن على نصحهم وشهدت التجربة بإيثارهم أهل الإسلام على غيرهم ولو كانوا من أهل دينهم، ويستفاد منه جواز استنصاح بعض ملوك العدو استظهاراً على غيرهم، ولا يعد ذلك من موالاة الكفار ولا موادة أعداء الله بل من قبيل استخدامهم وتقليل شوكة جمعهم وإنكاء بعضهم ببعض، ولا يلزم من ذلك جواز الاستعانة بالمشركين على الإطلاق.

قوله (قائم على رأس النبي صلى الله عليه وسلم بالسيف) فيه جواز القيام على رأس الأمير بالسيف بقصد الحراسة ونحوها من ترهيب العدو، ولا يعارضه النهي عن القيام على رأس الجالس لأن محله ما إذا كان على وجه العظمة والكبر.

وقد اختلف العلماء في المدة التي تجوز المهادنة فيها مع المشركين: فقيل: لا تجاوز عشر سنين على ما في هذا الحديث وهو قول الشافعي والجمهور. وقيل تجوز الزيادة، وقيل لا تجاوز أربع سنين، وقيل ثلاثاً، وقيل سنتين، والأول هو الراجح والله أعلم.

قال الخطابي: تأول العلماء ما وقع في قصة أبي جندل على وجهين: أحدهما: أن الله قد أباح التقية للمسلم إذا خاف الهلاك، ورخص له أن يتكلم بالكفر مع إضمار الإيمان إن لم يمكنه التورية، فلم يكن رده إليهم إسلاماً لأبي جندل إلى الهلاك مع وجوده السبيل إلى


(١) عيبة: عيبة الرجل: خاصته، والمقصود هنا أن خزاعة كان هواها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهي خاصته بسبب ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>