فيه هذه اللفظة "ليس يحسن يكتب" ولهذا أنكر بعض المتأخرين على أبي مسعود نسبتها إلى تخريج البخاري وقال: ليس في البخاري هذه اللفظ ولا في مسلم، وهو كما قال عن مسلم فإنه أخرجه من طريق زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق بلفظ "فأراه مكانها فمحاها وكتب: ابن عبد الله" انتهى وقد عرفت ثبوتها في البخاري في مظنة الحديث، وكذلك أخرجها النسائي عن أحمد بن سليمان عن عبيد الله بن موسى مثل ما هنا سواء، وكذا أخرجها أحمد عن حجين بن المثنى عن إسرائيل ولفظه (فأخذ الكتاب - وليس يحسن أن يكتب - فكتب مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله) وقد تمسك بظاهر هذه الرواية أبو الوليد الباجي فادعى أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب بيده بعد أن لم يكن يحسن يكتب. فشنع عليه علماء الأندلس في زمانه ورموه بالزندقة، وأن الذي قاله مخالف القرآن حتى قال قائلهم:
برئت ممن شرى دنيا بآخرة ... وقال إن رسول الله قد كتبا
فجمعهم الأمير فاستظهر الباجي عليهم بما لديه من المعرفة وقال للأمير: هذا لا ينافي القرآن، بل يؤخذ من مفهوم القرآن لأنه قيد النفي بما قبل ورود القرآن فقال (وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك) وبعد أن تحققت أميته وتقررت بذلك معجزته وأمن الارتياب في ذلك لا مانع من أن يعرف الكتابة بعد ذلك من غير تعليم فتكون معجزة أخرى. وذكر ابن دحية أن جماعة من العلماء وافقوا الباجي في ذلك، منهم شيخه أبو ذر الهروي وأبو الفتح النيسابوري وآخرون من علماء إفريقية وغيرها، واحتج بعضهم لذلك بما أخرجه ابن أبي شيبة وعمر بن شبة من طريق مجاهد عن عون بن عبد الله قال:"ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كتب وقرأ" قال مجاهد: فذكرته للشعبي فقال: صدق قد سمعت من يذكر ذلك. ومن طريق يونس بن ميسرة عن أبي كبشة السلولي عن سهل ابن الحنظلية "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر معاوية أن يكتب للأقرع وعيينة، فقال عيينة: أتراني أذهب بصحيفة المتلمس؟ فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيفة فنظر فيها فقال: "قد كتب لك بما أمر لك" قال يونس فنرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب بعد ما أنزل عليه. قال عياض: وردت آثار تدل على معرفة حروف الخط وحسن تصويرها كقوله لكاتبه "ضع القلم على